قال: وخرج عثمان بن عفان- رحمه الله- من داره يوما، وقد جاء عامر ابن عبد قيس. فقعد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخا دميما أشغى ثطّا، في عباءة، فأنكره وأنكر مكانه، فقال: يا أعرابي، أين ربك؟ فقال: بالمرصاد! والشغي: تراكب الأسنان واختلافها. ثط: صغير اللحية.
ويقال إن عثمان بن عفان لم يفحمه أحد قط غير عامر بن عبد قيس.
ونظر معاوية إلى النخار بن أوس العذري، الخطيب الناسب، في عباءة في ناحية من مجلسه، فأنكره وأنكر مكانه زراية منه عليه، فقال: من هذا؟
فقال النخار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها! قال: ونظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هرم بن قطبة، ملتفا في بتّ في ناحية المسجد، ورأى دمامته وقلته، وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم، فأحب أن يكشفه ويسبر ما عنده، فقال: أرأيت لو تنافرا إليك اليوم أيهما كنت تنفر؟ يعني علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل. فقال: يا أمير المؤمنين: لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لهذا العقل تحاكمت العرب إليك.
ونظر عمر إلى الأحنف وعنده الوفد، والأحنف ملتف في بتّ له «١» ، فترك جميع القوم واستنطقه، فلما تبعّق منه ما تبعّق، وتكلم بذلك الكلام البليغ المصيب، وذهب ذلك المذهب، لم يزل عنده في علياء، ثم صار إلى أن عقد له الرياسة ثابتا له ذلك، إلى أن فارق الدنيا.
ونظر النعمان بن المنذر إلى ضمرة بن ضمرة، فلما رأى دمامته وقلته قال:«تسمع بالمعيديّ لا أن تراه» ، هكذا تقوله العرب. فقال ضمرة: