للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيصر لما كان أهل مملكته من الحبش في هذا الموضع. وهو لم يفضّل النجاشي لمكان إسلامه، يدل على ذلك تفصيله لكسرى وقيصر. وكان وضع كلامه على ذكر الممالك، ثم ترك الممالك وأخذ في ذكر الملوك. والدليل على أن العرب أنطق، وإن لغتها أوسع، وإن لفظها أدلّ، وأن أقسام تأليف كلامها أكثر، والأمثال التي ضربت فيها أجود وأسير. والدليل على أن البديهة مقصور عليها، وأن الارتجال والاقتضاب خاصّ فيها، وما الفرق بين أشعارهم وبين الكلام الذي تسميه الروم والفرس شعرا. وكيف صار النسيب في أشعارهم وفي كلامهم الذي أدخلوه في غنائهم وفي ألحانهم إنما يقال على ألسنة نسائهم، وهذا لا يصاب في العرب إلا القليل اليسير. وكيف صارت العرب تقطع الألحان الموزونة على الأشعار الموزونة، فتضع موزونا على موزون، والعجم تمطّط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزونا على غير موزون.

وسنذكر في الجزء الثاني من أبواب العيّ واللحن والغلط والغفلة، أبوابا طريفة، ونذكر فيه النوكى من الوجوه ومجانين العرب، ومن ضرب به المثل منهم، ونوادر من كلامهم، ومجانين الشعراء. ولست أعني مثل مجنون بني عامر، ومجنون بني جعدة، وإنما أعني مثل أبي حية في أهل البادية، ومثل جعيفران في أهل الأمصار، ومثل أريسيموس اليوناني.

وسنذكر أيضا بقية أسماء الخطباء والنساك وأسماء الظرفاء والملحاء، إن شاء الله. وسنذكر من كلام الحجاج وغيره، ما أمكننا في بقية هذا الجزء إن شاء الله.

[[من كلام الحجاج وغيره]]

وقال أبو الحسن المدائني: قال الحجاج لأنس بن مالك، حين دخل عليه في شأن ابنه عبد الله، وكان خرج مع ابن الأشعث: «لا مرحبا بك ولا أهلا. لعنة الله عليك من شيخ جوّال في الفتنة، مرة مع أبي تراب ومرة مع ابن الأشعث. والله لأقلعنك قلع الصّمغة، ولأعصبنّك عصب السلمة، ولأجرّدنّك

<<  <  ج: ص:  >  >>