من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
[[عودة إلى مفهوم البلاغة عند العتابي وعمرو بن عبيد وابن المقفع]]
حدثني صديق لي قال: قلت للعتابيّ: ما البلاغة؟ قال: كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ، فإن أردت اللسان الذي يروق الألسنة، ويفوق كل خطيب، فإظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل في صورة الحق. قال: فقلت له: قد عرفت الإعادة والحبسة، فما الاستعانة؟ قال: أما تراه إذا تحدث قال عند مقاطع كلامه: يا هناه، ويا هذا، ويا هيه، واسمع مني واستمع إلي، وافهم عني، أو لست تفهم، أو لست تعقل. فهذا كله وما أشبهه عيّ وفساد.
قال عبد الكريم بن روح الغفاري، حدثني عمر الشمري، قال: قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك. قال السائل: ليس هذا أريد. قال:
من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يستمع، ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله: «أنا معشر الأنبياء بكاء» أي قليلو الكلام. ومنه قيل رجل بكيء. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. قال: قال السائل: ليس هذا أريد. قال: كانوا يخافون من فتنة القول، ومن سقطات الكلام، ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سقطات الصمت. قال السائل: ليس هذا أريد. قال عمرو: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ، في حسن الإفهام، قال: نعم. قال: إنك إن أوتيت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعاني