فقام إليه أبو بلال مرداس بن أديّة «١» ، وهو يهمس ويقول: أنبأنا الله بغير ما قلت، فقال:(وإبراهيم الذي وفى. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للانسان إلا ما سعى) . وأنت تزعم إنك تأخذ البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر. فسمعه زياد فقال: أنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك حتى نخوض إليكم الباطل خوضا.
وقال الشعبي: ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا أن يسيء، إلا زيادا، فإنه كلما أكثر كان أجود كلاما.
أبو الحسن المدائني قال: قال الحسن: أوعد عمر فعوفي، وأوعد زياد فابتلي.
قال: وقال الحسن تشبه زياد بعمر فأفرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس.
[[مقطعات وخطب قصيرة]]
قال أبو عثمان: قد ذكرنا من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخطبه صدرا، وذكرنا من خطب السلف رحمهم الله جملا، وسنذكر من مقطّعات الكلام، وتجاوب البلغاء، ومواعظ النساك، ونقصد من ذلك إلى القصار دون الطوال، ليكون ذلك أخفّ على القارىء، وأبعد من السآمة والملل. ثم نعود بعد ذلك إلى الخطب المنسوبة إلى أهلها إن شاء الله. ولا قوة إلا بالله.
قال ابو الحسن المدائني: قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي، على المهلّب بن ابي صفرة، في بعض أيامه مع الأزارقة، فرأى بنيه قد ركبوا عن آخرهم فقال:«شدّ الله الاسلام بتلاحقكم، فوالله لئن لم تكونوا أسباط نبوة إنكم لأسباط ملحمة» .