قبرا دفناه فيه حيا. فكفوا عني أيديكم وألسنتكم، أكف عنكم يدي ولساني. ولا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه وقد كانت بيني وبين أقوام أحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته. إني والله لو علمت أن أحدكم قد قتله السلّ من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأرعوا «١» على أنفسكم، فرب مسوء بقدومنا سنسرّه ومسرور بقدومنا سنسوؤه.
أيها الناس، أنّا أصبحنا لكم سادة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا. فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أخببنا، ولكم علينا العدل والانصاف فيما ولينا. فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا، واعلموا إني مهما قصّرت عنه فلن أقصّر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن ابانه، ولا مجمرا لكم بعثا. فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا. ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا به حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيه لكان شرا لكم. أسأل الله أن يعين كلا على كل. وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله وأيم الله أن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرىء منكم أن يكون من صرعاي.
قال: فقام إليه عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير، لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال له: كذبت، ذلك نبي الله داوود صلّى الله عليه وسلّم.
فقام الأحنف بن قيس فقال: أيها الأمير، إنما المرء بجدّه، والجواد بشدّه وقد بلغك جدك أيها الأمير ما ترى، وإنما الثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وأنا لن نثني حتى نبتلي. فقال زياد: صدقت.