وكان الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا نوفل، من أبين الناس وأحسنهم حديثا، وكان راوية علامة، شاعرا مفلقا، وكان من رجال الشيعة. ولما استنطقه الحجّاج قال: ما ظننت أن بالعراق مثل هذا. وكان يقول: ما أمكنني وال قط من أذنه إلا غلبت عليه، ما خلا هذا اليهودي- يعني بلال بن أبي بردة- وكان عليه متحاملا، فلما بلغه أنه دهق «١» حتى دقت ساقه، وجعل الوتر في خصييه، أنشأ يقول:
لقد قرّ عيني أن ساقيه دقّتا ... وأن قوى الأوتار في البيضة اليسرى
بخلت وراجعت الخيانة والخنا ... فيسرك الله المقدّس للعسرى
فما جذع سوء خرّب السوس جوفه ... يعالجه النجار يبرى كما تبرى
وإنما ذكر الخصية اليسرى لأن العامة تقول: إن الولد منها يكون.
[[عبد الله بن عباس]]
ومن الخطباء الذين لا يضاهون ولا يجارون: عبد الله بن عباس. قالوا:
خطبنا بمكة، وعثمان محاصر، خطبة لو شهدتها الترك والديلم لأسلمتا.
قال: وذكره حسان بن ثابت فقال:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فضلا
كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع ... لذي إربة في القول جدا ولا هزلا
سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا
وقال الحسن: كان عبد الله بن عباس أول من عرّف بالبصرة، صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران، ففسرهما حرفا حرفا، وكان والله مثجّا يسيل غربا، وكان يسمى البحر وحبر قريش. وقال فيه النبي صلّى الله عليه وآله:«اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» وقال عمر: «غص غوّص» . ونظر إليه يتكلم فقال: