سليمان بن داود صلّى الله عليه وسلّم العصا لخطبته وموعظته، ولمقاماته، وطول صلاته، ولطول التلاوة والانتصاب، فجعلها لتلك الخصال جامعة. قال الله عز وجل وقوله الحق: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ
. والمنسأة هي العصا.
قال أبو طالب حين قام يذم الرجل الذي ضرب زميله بالعصا فقتله حين تخاصما في حبل وتجاذبا:
أمن أجل حبل لا أباك علوته ... بمنسأة قد جاء حبل واحبل
وقال آخر
إذا دببت على المنسأة من كبر ... فقد تباعد عنك اللهو والغزل
قال أبو عثمان: وإنما بدأنا بذكر سليمان صلّى الله عليه وسلّم لأنه من أبناء العجم، والشعوبية إليهم أميل، وعلى فضائلهم أحرص، ولما أعطاهم الله أكثر وصفا وذكرا.
وقد جمع الله لموسى بن عمران عليه السلام في عصاه من البرهانات العظام، والعلامات الجسام، ما عسى أن يفي ذلك بعلامات عدة من المرسلين وجماعة من النبيين. قال الله تبارك وتعالى فيما يذكر من عصاه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما
، إلى قوله تعالى:
وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى.
فلذلك قال الحسن بن هاني في شأن خصيب وأهل مصر حين اضطربوا عليه:
فإن تك من فرعون فيكم بقية ... فإن عصا موسى بكف خصيب
ألم تر أن السحرة لم يتكلفوا تغليط الناس والتمويه عليهم إلا بالعصي، ولا عارضهم موسى إلا بعصاه.