البليغ هو الكلام الذي يبلغ المعاني التي في رأس المتكلم إلى عقل السامع.
ولا يتأتى له ذلك إلا إذا كان واضحا وعلى أقدار المعاني. وبذا يخالف الجاحظ مفهوم البلاغة السائد أي الإيجاز. إن الكلام البليغ ليس هو الكلام الموجز وليس الكلام المسهب بل الكلام المساوي للمعاني «وإنما الألفاظ على أقدار المعاني، فكثيرها لكثيرها، وقليلها لقليلها، وشريفها لشريفها، وسخيفها لسخيفها، والمعاني المصغرة البائنة بصورها وجهاتها تحتاج من الألفاظ إلى أقل ما تحتاج إليه المعاني المشتركة والجهات الملتبسة»«١» .
ومن شروط البلاغة موافقة الكلام لمقتضى الحال أو للموضوع الذي يجري فيه الكلام. «ويجب على المتكلم أن يوازن بين المعاني وأقدار المستمعين وأقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما»«٢» .
ومن شروط البلاغة متانة العبارة التي تعني ربط ألفاظ الجملة ببعضها ربطا محكما لا هلهلة فيه ولا خلل «فأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا وسبك سبكا واحدا، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان»«٣» .
ومن شروط البلاغة الطبع، وهو يعني الموهبة وعدم التكلف. وإذا كان الكلام صحيح الطبع بعيدا عن الاستكراه ومنزها عن الاختلال، مصونا عن التكلف صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة..» «٤» وقد ركز الجاحظ على شرط الطبع عملا بفلسفته الطبيعية التي تفسر الفن كما تفسر المعرفة والأخلاق بالطباع كما صدر في جميع آرائه عن مذهبه الاعتزالي الوسطي المنزلة بين المنزلتين- وطبق ذلك على البلاغة والفصاحة، فاعتبر خير الكلام ما وقع وسطا بين الوحشي والسوقي، وما وقع وسطا بين الإيجاز والإطناب.