فاذكر هذا الباب ولا تنسه، ولا تفرّط فيه، فإن عمر بن الخطاب رحمه الله لم يقل للأحنف بن قيس- بعد أن احتبسه حولا مجرّما، «١» ليستكثر منه، وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه-: «إن رسول الله صلّى الله عليه وآله قد كان خوّفنا كل منافق عليم، وقد خفت أن تكون منهم» إلا لما كان راعه من حسن منطقه، ومال إليه لما رأى من رفقه وقلة تكلّفه، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«» إن من البيان لسحرا» - وقال عمر بن عبد العزيز لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتى لها بكلام وجيز، ومنطق حسن:«هذا والله السحر الاحلال» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:«لا خلابة» .
فالقصد في ذلك أن تجتنب السوقي والوحشي، ولا تجعل همك في تهذيب الألفاظ، وشغلك في التخلص إلى غرائب المعاني. وفي الاقتصاد بلاغ، وفي التوسط مجانبة للوعورة، وخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه.
وقد قال الشاعر:
عليك بأوساط الأمور فإنها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا
وقال الآخر:
لا تذهبنّ في الأمور فرطا ... لا تسألنّ إن سألت شططا
وكن من الناس جميعا وسطا
وليكن كلامك ما بين المقصر والغالي، فإنك تسلم من المحنة عند العلماء، ومن فتنة الشيطان.
وقال أعرابي للحسن: علمني دينا وسوطا، لا ذاهبا شطوطا، ولا هابطا هبوطا. فقال له الحسن: لئن قلت ذاك إن خير الأمور أوساطها.