وسئل عن رجل، فقال: إن له شرفا وبيتا وقدما. فنظروا فإذا هو ساقط من السفلة. فقيل له في ذلك، فقال: ما كذبت، شرفه أذناه، وقدمه التي يمشي عليها، ولا بد من أن يكون له بيت يأوي إليه.
قال أبو إسحاق «١» : قد لعمري كذب، إنما هو كقول القائل حين سأله بعض من أراد تزويج حرمته عن رجل، فقال:«هو يبيع الدواب» . فلما نظروا في أمره وجدوه يبيع السنانير، فلما سئل عن ذلك قال: ما كذبت، لأن السنور دابة.
قال أبو إسحاق: بل لعمري لقد كذب، هذا مثل قول القائل حين سئل عن رجل في تزويج امرأة فقال:«رزين المجلس، نافذ الطعنة» . فحسبوه سيدا فارسا، فنظروا فوجدوه خياطا! فسئل عن ذلك فقال: ما كذبت، لطويل الجلوس، جيد الطعن بالإبرة.
قال أبو إسحاق: بل لعمري لقد كذب، لأنه قد غرّهم منه.
وكذلك لو سأله رجل عن رجل يريد أن يسلفه مالا عظيما، فقال:«هو يملك مالا ما كان يبيعه بمائة ألف ومائة ألف» ، فلما بايعه الرجل وجده معدما ضعيف الحيلة، فلما قيل له في ذلك قال: ما كذبت، لأنه يملك عينيه وأذنيه وأنفه وشفتيه ويديه. حتى عد جميع أعضائه وجوارحه.
ومن قال للمستشير هذا القول فقد غره وذلك ما لا يحل في دين، ولا يحسن في الحرية. وهذا القول معصية لله، والمعصية لا تكون صدقا وأدنى منازل هذا الخبر أن لا يسمى صدقا، فأما التسمية له بالكذب فإن فيها كلاما يطول.