أخرجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا ربنا الله! فقال: نحن الذين أخرجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا ربنا الله، فمنا من مات بأرض الحبشة ومنا من مات بالمدينة.
قال: وقال الحجاج على منبره: «والله لألحونّكم لحو العصا، ولأعصينّكم عصب السلمة، ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل. يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق، ومساوىء الأخلاق، إني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب. وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قصف فتنة. أي بني اللكيعة وعبيد العصا، وأبناء الإماء، والله لئن قرعت عصا عصا لأتركنكم كأمس الدابر» .
مالك بن دينار قال: ربما سمعت الحجاج يخطب، يذكر ما صنع به أهل العراق وما صنع بهم، فيقع في نفسي أنهم يظلمونه وأنه صادق، لبيانه وحسن تخلصه بالحجج.
قال: وقسم الحجاج مالا، فأعطى منه مالك بن دينار، وأراد أن يدفع منه إلى حبيب أبي محمد فأبي أن يقبل منه شيئا، ثم مر حبيب بمالك، فإذا هو يقسم ذلك المال، فقال له مالك: أبا محمد، لهذا قبلناه! قال له حبيب:
دعني مما هناك، أسألك بالله الحجاج اليوم أحب إليك أم قبل اليوم؟ قال: بل اليوم. فقال حبيب: فلا خير في شيء حبب إليك الحجاج.
ومرّ غيلان بن خرشة الضّبيّ، مع عبد الله بن عامر، على نهر أمّ عبد الله الذي يشق البصرة، فقال عبد الله: ما أصلح هذا النهر لأهل هذا المصر! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، يعلّم القوم صبيانهم فيه السباحة، ويكون لسقياهم ومسيل مياههم، وتأتيهم فيه ميرتهم. قال: ثم مر غيلان يساير زيادا على ذلك النهر، وقد كان عادى ابن عامر، فقال زياد: ما أضر هذا النهر، بأهل هذا المصر! قال غيلان: أجل والله أيها الأمير، تنزّ منه دورهم، وتغرق فيه صبيانهم، ومن أجله يكثر بعوضهم.
فالذين كرهوا البيان إنما كرهوا مثل هذا المذهب، فأما نفس حسن البيان فليس يذمه إلا من عجز عنه. ومن ذم البيان مدح العيّ، وكفى بهذا خبالا.