للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفيء «١» لا تحمل إلا عن فضل منهم. وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الاسلام: أن تأخذ من حواشي «٢» أموال أغنيائهم، فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا: أن تقاتل من ورائهم ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا أو عن يد «٣» وهم صاغرون.

وأوصيك بتقوى الله وشده الحذر منه، ومخافة مقته، أن يطلع منك على ريبة.

وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله. وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم وثغورهم. ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن ذلك- بإذن الله- سلامة لقلبك، وحط لوزرك، وخير في عاقبة أمرك، حتى تفضي من ذلك إلى من يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك. وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه، على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه. واجعل الناس سواء عندك، لا تبال على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم. وإياك والأثرة والمحاباة، فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك.

وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت «٤» لدنياك عدلا وعفة مما بسط الله لك، اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى ومالت بك شهوة، اقترفت به سخط الله ومعاصيه. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة. وقد أوصيتك وحضضتك، ونصحت لك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيبا وافيا، وحظا وافرا. وإن لم تقبل ذلك ولا يهمك، تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى الله به عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا،

<<  <  ج: ص:  >  >>