للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غضارتها ورفاهتها نعما، أرهقته من نوائبها نقما، ولم يمس أمرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرّارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه، ويبكي عينه، كم واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي اختيال فيها قد خدعته. وكم من ذي أبهّة فيها قد صيرته حقيرا. وذي نخوة قد ردته ذليلا، وكم من ذي تاج قد كبّته لليدين والفم. سلطانها دول، وعيشها رنق، وعذابها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام، وقطافها سلع «١» حيّها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام.

مليكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وسليمها منكوب، وجامعها محروب «٢» .

مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطّلع والوقوف بين يدي الحكم العدل، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.

ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا، وأوضح آثارا، وأعدّ عديدا أكثف جنودا، واعند عنودا. تعبدوا الدنيا أي تعبد، وآثروها أيّ إيثار، وظعنوا عنها بالكره والصّغار فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب، بل قد أرهقتهم بالفوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالمصائب. وقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وآثرها، واخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد إلى آخر المسند. هل زودتهم إلا الشقاء، وأحلتهم إلا الضّنك، أو نوّرت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم إلا الندامة. فهذه تؤثرون أم عليها تحرصون، أم إليها تطمئنون. يقول الله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ.

أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

. فبئست الدار لمن أقام فيها. فاعملوا وأنتم تعلمون إنكم تاركوها لا بد، فإنما هي كما وصفها الله باللعب واللهو، وقد قال الله: تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>