للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأرض، وجعلوا على قبره خشبتين من زيتون، أحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة، واستوى قائما وأحاط به الناس، قال:

رحمك الله يا بني، فلقد كنت برا بأبيك، وما زلت مذ وهبك الله لي بك مسرورا. ولا والله ما كنت قط أشدّ بك سرورا، ولا أرجى لحظي من الله فيك، مني مذ وضعتك في هذا الموضع الذي صيرك الله إليه. فغفر الله ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئتك ورحم الله كلّ شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب. رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره. فالحمد لله رب العالمين. ثم انصرف.

وحدثني محمد بن عبيد الله بن عمرو قال أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قال: قال لي عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة: جاءت هذه الدولة وأنا حديث السن، كثير العيال، منتشر الأموال، فكنت لا أكون في قبيلة إلا شهر أمري، فلما رأيت ذلك عزمت على أن أفدي حرمي بنفسي، قال المبارك:

فأرسل إلي: أن وافني عند باب الأمير سليمان بن عبد الملك. قال: فأتيته فإذا عليه طيلسان أبيض مطبق، وسراويل وشي مسدولة. قال: سبحان الله، ما تصنع الحداثة بأهلها، إن هذا ليس لباس هذا اليوم. قال: لا والله، ولكن ليس عندي ثوب إلا أشهر مما ترى. قال: فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه، ولويت سراويله إلى ركبتيه. قال: فدخل ثم خرج إلي مسرورا. قال: قلت: حدثنا ما جرى بينك وبين الأمير. قال: دخلت عليه ولم يرني قبل ذلك، فقلت:

أصلح الله الأمير، لفظتني البلاد إليك، ودلني فضلك عليك، فأما قبلتني غانما، وأما رددتني سالما. قال: ومن أنت أعرفك. قال: فانتسبت له، فقال: اقعد فتكلم غانما سالما. ثم أقبل علي فقال: حاجتك يا ابن أخي قال: قلت: إن الحرم اللاتي أنت أقرب الناس إليهن معنا، وأولى الناس بهن بعدنا، قد خفن بخوفنا، ومن خاف خيف عليه. قال: فو الله ما أجابني إلا بدموعه على خديه.

قال: يا ابن أخى يحقن الله دمك، وتحفظ حرمك، ويوفر عليك مالك، ولو

<<  <  ج: ص:  >  >>