فلما صرت إلى مفرق الطرق، وأردت مفارقته، قال لي: لو عدلت فبتّ عندي كنت قد قضيت حقّ الصحبة، والمنزل قريب. فعدلت معه فأدخلني في منزل يتصل ببيعة. قال: فما زال يحدثني ويطرفني ويلطفني الليل كله، فلما كان السحر أخذ خشيبة ثم أخرج تلك العصا بعينها فقرعها بها، فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله، وإذا هو أحذق الناس بضربه، فقلت له: ويلك، أما أنت مسلم وأنت رجل من العرب من ولد عمرو بن كلثوم؟ قال: بلى. قلت فلم تضرب بالناقوس؟ قال: جعلت فداك! إن أبي نصراني، وهو صاحب البيعة، وهو شيخ ضعيف، فإذا شهدته بررته بالكفاية.
فإذا هو شيطان مارد، وإذا أظرف الناس كلهم وأكثرهم أدبا وطلبا، فخبرته بالذي أحصيت من خصال العصا، بعد أن كنت هممت أن أرمي بها، فقال: والله لو حدثتك عن مناقب نفع العصا إلى الصبح لما استنفدتها.
تفسير شعر غنيّه الأعرابية، في شأن ابنها.
وذلك إنه كان لها ابن شديد العرامة «١» ، كثير التفلت إلى الناس، مع ضعف أسر ودقة عظم، فواثب مرة فتى من الأعراب فقطع الفتى أنفه، فأخذت غنية دية أنفه فحسنت حالها بعد فقر مدقع. ثم واثب آخر فقطع أذنه فأخذت الدية فزادت دية أذنه في المال وحسن الحال. ثم واثب بعد ذلك آخر فقطع شفته فأخذت دية شفته. فلما رأت ما قد صار عندها من الإبل والغنم والمتاع والكسب بجوارح ابنها حسن رأيها فيه، فذكرته في أرجوزة لها تقول فيها:
أحلف بالمروة يوما والصّفا ... إنك خير من تفاريق العصا
فقيل لأبن الأعرابي: ما تفاريق العصا؟ قال: العصا تقطع ساجورا «٢» وتقطّع عصا الساجور فتصير أوتادا، ويفرّق الوتد فيصير كل قطعة شظاظا «٣» .
فإذا كان رأس الشظاظ كالفلكة صار للبختيّ مهارا، وهو العود الذي يدخل في