قال: ومن قدر الشعر وموقعه في النفع والضّر، إن ليلى بنت النضر بن الحارث بن كلدة لما عرضت للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالبيت واستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه، وانشدته شعرها بعد مقتل أبيها، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لو كنت سمعت شعرها هذا ما قتلته!» . والشعر:
يا راكبا إنّ الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفّق
أبلغ بها ميتا بأن قصيدة ... ما- إن تزال بها الركائب تخفق «١»
فليسمعنّ النضر إن ناديته ... إن كان يسمع ميت لا ينطق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق «٢»
قسرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق «٣»
ما كان ضرّك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيط المحنق «٥»
فالنضر أقرب من تركت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
قال: ويبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السب عليهم، وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب، ويسبّ به الأحياء والأموات، إنهم إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق، وربما شدوا لسانه بنسعة، كما صنعوا بعبد يغوث ابن وقاص الحارثي حين أسرته بنو تيم يوم الكلاب. وهو الذي يقول:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا «٦»
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا «٧»
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كري كرة عن رجاليا