للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القراءة تكون من مكتوب ومتلو، والقراءة في حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من متلو يتلوه جبريل، وفي هذا إبراز للمعجزة أكثر، لأن الأمي بالأمس صار معلمًا اليوم، وقد أشار السياق إلى نوعي القراءة هذين حيث جمع القراءة مع التعليم بالقلم.

فجاء الأمر بالقراءة تكليفًا لتحميل الوحي، وباسم ربك بيان لجهة التكليف، والذي خلق تدليلًا لتلك الجهة.

المسألة الثانية: مجيء الوصف بالأكرم في قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} بدلًا من أي صفة أخرى؛ لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق ما لا يناسب مكانها غيرها؛ لعظم العطاء، وجزيل المنة.

فأولًا: رحمة الخليقة بهذه القراءة التي ربطت العباد بربهم وكفى.

وثانيًا: نعمة الخلق والإيجاد، فهما نعمتان متكاملتان: الإيجاد من العدم بالخلق، والإيجاد الثاني من الجهل إلى العلم، ولا يكون هذا كله إلا من الرب الأكرم سبحانه.

المسألة الثالثة: (الذي علم بالقلم) فالله سبحانه وتعالى مدح نفسه بأنه علَّم بالقلم، وأنه علَّم الإنسان ما لم يعلم، فكان فيه الإشادة بشأن القلم حيث إنه سبحانه علَّم به، وهذا أعلى مراتب الشرف مع أنَّ الله سبحانه قادر على التعليم بدون القلم، وقد أورده سبحانه في معرض التكريم في قوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (١) وعظم المقسم عليه وهو نعمة الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالوحي يدل على عظم المقسم به، وهو القلم، وما يسطرون به من كتابة الوحي وغيره، وسميت سورة في القرآن باسمه (٢).


(١) القلم: ١ - ٢.
(٢) انظر: التفسير الكبير للرازي (٣٢/ ١٥ - ١٨)، أضواء البيان (٩/ ١٢ - ١٩).

<<  <   >  >>