للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا أدل على أهمية الكتابة من تكرارها في آية الدين أطول آية في القرآن، رُسِمت فيها كتابة العدل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} (١)، فقد تكررت في الآية الأوامر الإلهية بتعليم الكتابة بصيغ متعددة مثل (فاكتبوه) (وليكتب) (فليكتب) بل نوهت الآية بفضل الكاتب فكررت ذكره مرتين في آية واحدة {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ} {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ}، وتعلم الكتابة نعمة من نعمه تعالى ينعم بها على من يشاء من عباده، فالله تعالى هو المعلِّم كما هو واضح في قوله تعالى: {كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} وهذا تنويه هذه النعمة كما قال تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}، فلو لم يتعلم الناس الكتابة لما استطاعوا حفظ حقوقهم.

ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- مغفلًا شأن القلم، بل عيني به كل العناية، وأولها وأعظمها أنه اتخذ كتابًا للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه مع أنه يحفظه ويضبطه، وتعهد الله له بحفظه وضبطه في قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (٢).

ووعد الله تعالى بحفظه في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣)، ومع ذلك فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ، وكان له عدة كتَّاب، وهذا غاية في العناية بالقلم. وقد ذكر ابن القيم (٤) من الكتاب الخلفاء الأربعة. ومعهم تتمة


(١) البقرة: ٢٨٢.
(٢) الأعلى: ٦ - ٧.
(٣) الخجر: ٩.
(٤) ينظر: زاد المعاد (١/ ٦٨).

<<  <   >  >>