للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - ولقد كان بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلبه قبله، مفتوحًا لكل سائل وسائلة، محتويًا بعظيم خلقه، وكريم سجاياه قلوب محبيه، مبلغًا رسالة ربه، وستلحظ فيما سأورده من بحر زاخر بلآلئ جمة، وأرض خصبة منبتة، إجاباته -صلى الله عليه وسلم- على النساء، أخرج البخاري (١)، ومسلم (٢) من حديث أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأت الماء» فغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال: «نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟!» واللفظ للبخاري.

ومع أن الحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير إلا أنه في طلب العلم مذموم، وقد فهمت أم سليم هذه القاعدة فأتت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سائلة عن أمر لا يستحيي من السؤال منه؛ لأن الله لا يستحيي من الحق، وعليه بوّب البخاري: باب: الحياء في العلم، وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر. وقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

قال الحافظ: «(باب الحياء) أي: حكم الحياء، وقد تقدم أن الحياء من الإيمان وهو الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود، وأما ما يقع سبًا لترك أمر شرعي فهو مذموم، وليس هو بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة، وهو المراد بقول مجاهد: لا يتعلم العلم مستحٍ … وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثر كل منهما من النقص في التعليم» (٣).


(١) كتاب العلم، باب: الحياء في العلم (١/ ٦٠) ١٣٠.
(٢) كتاب الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (١/ ٢٥٠) ٣١٣.
(٣) الفتح (١/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>