للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأسها، ثم تفيض عليها الماء» فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. واللفظ لمسلم. وفي رواية البخاري: قالت عائشة: فاجتبذتها إليّ، فقلت: تتبعي بها أثر الدم.

قال الحافظ: «وفي هذا الحديث من الفوائد: التسبيح عند التعجب، ومعناه هنا: كيف يخفي هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر، وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات، وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها، ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار: لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين كما أخرجه مسلم (١) في بعض طرق هذا الحديث وتقدم في العلم معلقًا، وفيه الاكتفاء بالتعريض، والإشارة في الأمور المستهجنة، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وإنما كرره مع كونها لم تفهمه أولًا، لأن الجواب به يؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله «توضئي» أي في المحل الذي يستحي من مواجهة المرأة بالتصريح به، فاكتفى بلسان الحال عن لسان المقال، وفهمت عائشة ذلك عنه، فتولت تعليمها، وبوّب عليه المصنف في الاعتصام «الأحكام التي تعرف بالدلائل» وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفي عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه، وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضل، وفيه صحة العرض على المحدث إذا أقره، ولو لم يقل عقبه: نعم، وأنه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه، وفيه الرفق بالمتعلم، وإقامة العذر لمن لا يفهم، وفيه أن المرء مطالب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة، وفيه حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وعظيم حلمه، وحيائه زاده الله شرفًا» (٢).


(١) تقدم ص (٢٧٢) فما بعدها.
(٢) الفتح (١/ ٤١٦).

<<  <   >  >>