والقصاص لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين، إلا ما روي عن عطاء، وحماد أنما قالا: يقبل فيه رجل وامرأتان قياسًا على الشهادة في الأموال. ولنا أن هذا مما يحتاط لدرئه وإسقاطه؛ ولهذا يندرئ بالشبهات، ولا تدعو الحاجة إلى إثباته، وفي شهادة النساء شبهة بدليل قوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، وأنه لا تقبل شهادتهن وإن كثرن ما لم يكن معهن رجل، فوجب ألّا تقبل شهادتهن فيه، ولا يصح قياس هذا على المال لما ذكرنا من الفرق، وهذا الذي ذكرنا قال سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وحماد، والزهري وربيعة، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي» (١).
تنبيه: وإن قلت لم لا تقبل شهادة المرأة في الجنايات؟
يقول الشيخ مصطفى السباعي معللًا ذلك: «لا تقبل شهادة النساء في الجنايات لأنها غالبا ما تكون قائمة على شؤون بيتها، ولا يتيسر لها أن تحضر مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل وما أشبهها، وإذا حضرها قلّ أن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة القتل بعينها، وتظل رابطة الجأش بل الغالب أما إذا لم تستطع الفرار تلك الساعة، كان منها أن تغمض عينيها وتولول وتصرخ، وقد يغمى عليها، وذلك يرجع لما يركب في طبيعتها فهي شديدة العاطفة، سريعة الانفعال، رقيقة الوجدان، لكي تؤدي وظيفتها الأساسية على أكمل وجه -وظيفة الأمومة- فكيف يمكن لها أن تتمكن من أداء الشهادة، فتصف الجريمة، والمجرمين، وأداة الجريمة، وكيفية وقوعها، ومن المسلَّم به أن الحدود تدرأ بالشبهات، وشهادتها في
(١) (١٠/ ١٥٦)، وانظر: روضة الطالبين (١١/ ٢٥٢)، الشرح الكبير (٤/ ١٨٤)، البحر الرائق (٧/ ٥٥).