للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يتَّضح أن العقوبات المعنوية التي تعد أشد أثرًا، وأنكى ألمًا يتساوى فيها الرجال والنساء، فتقاد المرأة بالرجل، ويقاد بها، ولا شك أن العقوبات المادية أقل منها بمراحل، وعقوبة القتل العمد القصاص إلا أن يعفو أهل المقتول، فيقتص من القاتل رجلًا كان أو امرأة، للمقتول أيَّا كان منهما؛ لأننا هنا بصدد روح إنسانية في مقابل روح إنسانية أخرى، والرجل والمرأة في الإنسانية سواء.

٢ - وإذا كان القتل خطأ، أو عفا أهل المقتول وطلبوا الدية؛ فإن الدية لا تعد ثمنا مقابل المقتول؛ لأن الإنسان لا يقدر بمال، لكن الدية منحة ربانية روعي فيها الخسارة المالية التي تلحق الأسرة في فقد رجل يعولها أو سيعولها إن أنس الرشد، وبلغ مبلغ الرجال، بخلاف المرأة التي تعال وينفق عليها؛ فإذا كان الغنم بالغرم، فلا تخفاك حكمة اللطيف الخيبر، ويدلل على هذا أن الإسلام لم يفرق في دية الجنين بين كونه أنثى أو ذكرًا، إذ قضى فيه بغرة (١): عبد أو أمة، وعلة عدم هذه التفرقة أن الجنين ذكرًا كان أم أنثى لم يكن قد دخل بعد في المسؤولية في نظام النفقات في الأسرة؛ لأنه لم يولد حيًّا حتى يصبح بعد ذلك كاسبًا، فحكمه على التساوي الأصلي بين الذكر والأنثى في الديات.

ودليل هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الديات، باب: جنين المرأة، وأن العقل على الوالد، وعصبة الوالد لا على الولد (٢)، ومسلم في صحيحه في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد على عاقلة الجاني (٣) من حديث أبي هريرة قال: اقتتلت


(١) يأتي تفسيرها بعد هاشيتين.
(٢) (٦/ ٢٥٣٢).
(٣) (٣/ ١٣٠٩) ١٦٨١.

<<  <   >  >>