للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أيضًا إنما يدل إذا قلت: إن للمفهوم عمومًا، والصواب أنه لا عموم له (١).

وتأمل قوله -صلى الله عليه وسلم- «والبكر يستأذنها أبوها» عقب قوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها» قطعًا لتوهم هذا القول، وأن البكر تزوج بغير إذنها أو رضاها، فلا حق لها في نفسها البتة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى دفعًا لهذا التوهم (٢).

والثاني: أنه يشترط إذنها كما يشترط إذن الثيب، فلا يجوز إجبارها على النكاح، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه (٣)، والثوري، والأوزاعي، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر (٤)، وهو الرواية الثانية عن أحمد، واختاره أبو بكر عبد العزيز (٥).

واستدلوا بما يأتي:

١ - حديث أبي هريرة المتقدم (٦) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» وقوله «لا تنكح البكر حتى تستأذن» نهى يتناول الأب وغيره عن تزويج البكر دون استئذان، والنهي صريح في المنع فحمله على الاستحباب بعيد جدًا. والنبي -صلى الله عليه وسلم- فرّق بين البكر والثيب، فذكر لفظ «الإذن» للبكر، وجعل إذنها صماتها، ولفظ «الأمر» للثيب، وإذنها النطق، فهذان هما الفرقان اللذان فرّق بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بين البكر والثيب، لم يفرق بينهما في الإجبار وعدمه، وذلك لأن البكر لما كانت تستحي أن تتكلم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها، بل


(١) ينظر: الذخيرة (١/ ٨٨)، المحصول للرازي (٢/ ٦٥٤).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٣٢/ ٢٢)، زاد المعاد (٥/ ٩٨).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٤/ ٢١٥)، بدائع الصنائع (٢/ ٢٤٢).
(٤) عزاه لمن تقدم ابن قدامة في المغني (٧/ ٣٤).
(٥) ينظر: المغني (٧/ ٣٤)، الإنصاف (٨/ ٦٤).
(٦) ص (٧٧٣).

<<  <   >  >>