للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء (١) -أو بذات الجَيْش (٢) - انقطع عقد لي (٣)، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله وبالناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي، قد نام. فقال: حبست رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. قالت: فعاتبني أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول. وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير ماء. فأنزل الله آية التيمم، فتيممّوا. فقال أُسَيْد بن الحُضَير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر؟ قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. واللفظ لمسلم.

• ومن فوائد الحديث: استحضار آثار الابتلاءات الفردية والجماعية والاعتبار بها، وما يترتب عليها، نلمح مشاعر الحسرة والقلق تهز كيان الجارية الصديقة عائشة -رضي الله عنها- حينما أضاعت عقدا استعارته من أختها!!.

ونلمح الشعور بالضعف، والضيق والاضطراب الذي طوّق الركب ورجال العسكر … لا نحبا سهم من أجل عقد زهيد (من جَزْع ظفار)) (٤) لا تربو قيمته على اثني عشر درهمًا … مع معاناة وعثاء السفر، ومشقة الرّحلة، وأنهم ليسوا على


(١) البيداء: كل مفازة لا شيء بها. ينظر: مشارق الأنوار (١/ ١٥١) مادة (ب ي د) معجم ما استعجم (١/ ٢٩١).
(٢) موضع بين مكة والمدينة وراء ذي الحليفة. ينظر: أخبار مكة (٤/ ٢٢٦)، الفتح (١/ ٥٧٠)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق البلادي (٢٠٢).
(٣) جاءت في رواية لمسلم (٣٦٧): «أنها استعارت من أسماء قلادة».
(٤) انظر: تحقيق القول في شأن العقد عند الحافظ في الفتح (١/ ٤٣٥).

<<  <   >  >>