للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث (١)، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «دعهما»، فلما غفل غمزتهما فخرجتا.

وقالت: وكان يوم عيد يلعب السودان بالدّرق (٢)، والحِرَاب (٣)، فإمّا سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإمّا قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدّي على خده، وهو يقول: «دونكم يا بني أَرْفِدة» حتى إذا مللت قال: «حسبك» قلت: نعم. قال: «فاذهبي».

وفي الحديث تقدير النبي -صلى الله عليه وسلم- للحاجات النفسية الفطرية في حياة الناس (٤) كالرغبة في الترويح واللعب، والفرح والسرور، والإذن الشرعي فيها بقدر معتدل مصون من الإسراف والعبث والفساد، فإن العبد يسعى إلى تحقيق مطالب الروح كما يؤدي وظائف الجسد بتوازن شرعي لا إفراط فيه ولا تفريط، فلئن واظب على الجد والحزم في العبادة ربما يكل ويتعب ويمل، ومراوحة النفس بين الجد واللهو النافع يمنحها مزيدًا من الإقبال على الدين والنشاط للعمل.


(١) بُعاث: بضم الباء- يوم مشهور مذكور من أيام الجاهلية، كان فيه حرب بين الأوس والخزرج.
ينظر: أعلام الحديث للخطابي (٣/ ١٧٠٠)، النهاية في غريب الحديث (١/ ١٣٩)، اللسان (٢/ ١١٧) مادة (ب ع ث).
(٢) الدَّرق: ضرب من الترسة، الواحدة دَرَقة، تتخذ من الجلود.
ينظر: لسان العرب (١٠/ ٩٥)، مختار الصحاح (٨٥) مادة (د ر ق).
(٣) الحِرَاب: جمع حَرْبة وهي سلاح يتخذ في الحرب قدره دون الرُّمْح الكامل، وليس بعريض النصل.
ينظر: مشارق الأنوار (١/ ٢٣٥)، لسان العرب (١/ ٣٠٣) مادة (ح ر ب).
(٤) ينظر: شرح ابن بطال (٢/ ٥٤٩)، إكمال المعلم (٣/ ٣٠٨)، الاستقامة (١/ ٢٨٨)، روضة المحبين (١/ ٢٩١).
واقرأ حول هذه الفائدة في: منطلقات الإسلام في إقراره اللهو والترفيه (١٢١)، وشواهد السيرة على مشروعية الترفيه (١٢٧).

<<  <   >  >>