للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النشوز إلى النساء إسنادًا يدل على أن من شأنه أن يقع منهن فعلًا، بل عبر عن ذلك بعبارة تومئ إلى أن من شأنه أّلا يقع؛ لأنه خروج عن الأصل الذي يقوم به نظام الفطرة، وتطيب به المعيشة، ففي هذا التعبير تنبيه لطيف إلى مكانة المرأة، وما هو الأولى في شأنها، وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها، وحسن التلطف في معاملتها، حتى إذا آنس منها ما يخشى أن يؤول إلى الترفع، وعدم القيام بحقوق الزوجية فعليه أن يسلك سبل التأديب المشروعة (١).

• ثم ابتدأ الرب جل وعلا في ذكر علاج نشوز المرأة مرتِّبًا لها في أمورٍ ثلاثة: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب، فلا يقدم أحدهما على الآخر بل يأتي بها مرتبة، وهذا الذي يدل عليه السياق، والقرينة العقلية، إذ لو عكس استغنى بالأشد عن الأضعف، وإلا فالواو لا تدل على الترتيب، وكذا الفاء في {فَعِظُوهُنَّ} لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع، فالقول بأنها أظهر الأدلة على الترتيب ليس بظاهر، والترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزاء مختلفة في الشدة والضعف مترتبة على أمر متدرِّج، فإنما النص هو الدال على الترتيب (٢).

يقول الرازي: «وبالجملة فالتخفيف مراعي في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب. وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق» (٣).


(١) حقوق النساء في الإسلام لمحمد رشيد رضا (٥١).
(٢) ينظر: روح المعاني للألوسي (٥/ ٢٥).
(٣) التفسير الكبير (١٠/ ٧٣).

<<  <   >  >>