وسبعمائة بعد أن مرض بضعة وعشرين يومًا فأعلن لموته في القلعة وفي منائر دمشق فاجتمع الناس في القلعة حتى خرجت جنازته باحتفال عظيم جدًا ثم جيء بها إلى جامع دمشق فصلي عليها في المقصورة مرارًا ثم خرج الخلق بالجنازة حتى وصلوا بها إلى مقابر الصوفية فدفن الشيخ بها وقد أغلقت دمشق في ذلك اليوم وكان يومًا مشهودًا لم يعهد مثله وختمت على قبره ختمات وأسرجت له مصابيح وأفرد له الشمس بن عبد الهادي المقدسي وهو من أخص تلامذته ترجمة في مجلدة وكذلك أبو حفص عمر بن علي البزار البغدادي في كراريس وترجمه كاتم السر بالديار المصرية والشامية في تاريخه ووضع فيه الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي كتاب الرد الوافر عَلَى من قال أن من سمي ابن تيمية شيخ الإِسلام فهو كافر وقد قرظه جماعة من مشاهير العلماء بمصر وأنشد الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي يرثي الشيخ بأبيات مطلعها:
يا موت خذ من أردتُ أو فدع … محوت رسم العلوم والورع
وقال فيه الإِمام ابن الوردي:
عثى في عرضه قوم سلاط … لهم من نثر جوهره التقاط
تقي الدين أحمد خير حبر … خروق المعضلات به تخاط
توفي وهو محبوس فريد … وليس له إلى الدنيا انبساط
ولو حضروه حين قضى لالفوا … ملائكة النعيم به أحاطوا
قضى نحبا وليس له قرين … ولا لنظيره ألف القماط
فتى في علمه أضحى فريدًا … وحل المشكلات به يناط
وكان إلى التقى يدعو البرايا … وينهي فرقة فسقوا ولاطوا
وكان الجن تفرق من سطاه … بوعظ للقلوب هو السياط
فيا لله ما قد ضم لحد … ويا لله ما غطى البلاط
هم حسدوه لما لم ينالوا … منا فيه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا عن طرائفه كسالى … ولكن في أذاه لهم نشاط
وحبس الدر في الأصداف فخر … وعند الشيخ في السجن اغتباط
بآل الهاشمي له اقتداء … فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا