للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه، عالم بأنه مطلع عليه؟! لا، وكلا، بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم؛ خوفاً من بطش ذلك الملك.

ولا شك -ولله المثل الأعلى- أن رب السماوات والأرض- جل وعلا- أشد علماً، وأعظم مراقبة، وأشد بطشاً، وأعظم نكالًا وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه، فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه -جل وعلا- ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لانَ قلبه، وخشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا.

ومن أسرار هذه الموعظة الكبرى أن الله -تبارك وتعالى- صرح بأن الحكمة التي خلق الخلق من أجلها هي أن يبتليهم أيهم أحسن عملًا، ولم يقل: أيهم أكثر عملًا، فالابتلاء في إحسان العمل؛ كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧].

وقال في الملك: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)} [الملك: ٢].

ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خُلق من أجلها هي أن

يبتلى، -أي يختبر: بإحسان العمل- فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصلة لنجاحة في هذا الاختبار" (١).

ذُكر عن أعرابي قال: خرجتُ في بعض الليالي المظلمة، فإذا أنا بجارية


(١) "أضواء البيان" (٩/ ٣ - ١١).

<<  <   >  >>