"وهذه المُتابَعةُ هي التلاوةُ التي أثنى اللهُ على أهلها في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ}[فاطر: ٢٩]، وفي قوله:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}[البقرة: ١٢١] والمعنى: يتبعونَ كتابَ اللهِ حقَّ اتباعه، وقال تعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}[العنكبوت: ٤٥]، وقال: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل ٩١: ٩٢].
فحقيقةُ التلاوةِ في هذه المواضعِ هي التلاوةُ المطلقةُ التَّامَّةُ، وهي تلاوةُ اللفظِ والمعنى؛ فتلاوةُ اللفظِ جزءُ مُسمى التلاوةِ المُطلقةِ، وحقيقةُ اللفظِ إنما هي الاتباعُ، يقال: اتلُ أثر فلانِ، وتلوتُ أثرهُ، وقفوتُهُ وقصصتُهُ، بمعنى تَبعتُهُ، ومنه قولُه تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢)} [الشمس ١: ٢]، أي: تَبعَها في طلوع بعد غَيبتها، ويُقال: جاءَ القومُ يتلو بعضهم بعضًا، أي: يتبع، ويُسمَّى تالي الكلام تاليًا، لأنَّهُ يُتبعُ بعضَ الحروف بعضًا، لا يُخرجُها جُملةً واحدةً، بل يُتبعُ بعضها بعضًا مُرتبةً، كُلَّما انقضى حرفٌ أو كلمةٌ أتبعهُ بحرفِ آخرَ وكلمةِ أُخرى، وهذه التّلاوةُ وسيلةٌ وطريقٌ.
والمقصودُ التِّلاوةُ الحقيقيةُ، وهي تلاوَةُ المعنى واتِّباعُهُ؛ تصديقًا بخبرهِ وائتمارًا بأمرهِ، وانتهاءَ عن نهيهِ، وائتمامًا به، حيثُ ما قادكَ انقدتَ معه، فتلاوةُ القُرآنِ تتناولُ تلاوةَ لفظهِ ومعناهُ، وتلاوةُ المعنى أشرفُ من مجرَّد تلاوةِ اللفظِ، وأهلُها هم أهلُ القرآن الذين لهم الثناءُ في الدنيا والآخرة،