"قاسيت الأهوال في بدايتي، وما تركت هولًا إلا ركبته، وكان لباسي جبة صوف، وعلى رأسي خريقة، وكنت أمشي حافياً في الشوك وغيره، وكنت أقتات بخرنوب الشوك وقمامة البقل وورق الخس من شاطي النهر، ولم أزل آخذ نفسي بالمجاهدة حتى طرقني من الله تعالى الحال، فإذا طرقني صرخت وهممت على وجهي، سواء كنت في صحراء أو بين الناس، وكنت أتظاهر بالتخارس والجنون، وحملت مراراً إلى البيمارستان (المشفى) ".
وكان يقول:"أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمسًا وعشرين سنة مجرداً سائحاً، لا أعرف الخلق ولا يعرفونني .. ، ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات .. "!! (١).
وفي ترجمه أخرى لمحمد السروري رحمه الله المشهور بأبي الحمائل .. كان يغلب عليه الحال، فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية، وتارة يزغرت في الأفراح والأعراس كما تزغرت النساء، وجاءه الشيخ علي الحديدي يطلب منه الطريق، فرآه ملتفاً لنظافة ثيابه، فقال:"إن كنت تطلب الطريق فاجعل ثيابك ممسحة لأيدي الفقراء"، فكان كل من أكل سمكاً أو زفراً يمسح في ثوبه يده مدة سنة وسبعة شهور، حتى صار ثيابه كثياب الزيَّاتين أو السماكين، فلما رأى ثيابه لقّنه الذِكر، وجاء منه في الطريق،
(١) "الطبقات الكبرى" (١٨٨) المسمى بـ "لواقح الأنوار في طبقات الأخيار"، وهو كتاب طافح بالبدع والخرافات والكرامات المزعومة، والرياضات المذمومة، والأحاديث المكذوبة.