للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخذ عنه تلامذة كثيرة" (١).

قلت:

وهذا التصرف يدل على جهل في الدين، وفساد في العقل وانتكاسة في القيم، ودليل على ضعف العلم الشرعي الصحيح، وانحراف عن عقيدة أهل السنة والجماعة في التزكية والتربية، وليس هذا فحسب، بل أورد الإمام الغزالي في الإحياء صورًا كثيرة من معاقبة النفس وتعذيبها بحجة إصلاحها، وتزكيتها بما يدل على انحراف في العقيدة، وميل عن الأخلاق الكريمة، ومن هذه الصور أن رجلًا كلم امرأة، فلم يزل حتى وضع يده على فخذها، ثم ندم فوضع يده على النار حتى يبست، وآخر نظر إلى محاسن امرأة، فرفع يده فلطم عينه حتى بقرت.

تأمل -أحسن الله إليك التوفيق- هذه الانتكاسة في تهذيب النفس، وردها إلى الطريق القويم، فالعقوبة المشروعة التي يجوز للعبد أن يأخذ بها في مجاهدة نفسه أن يلزمها الطاعة بقدر لا يخل بالواجبات الأخرى، لا أن يوردها موارد الهلاك من إتلاف عضو من جسمه، أو تقليل مطعم، أو تبذل في لباس، أو إرهاق النفس وحرمانها مما أباح الله، وغير ذلك مما يتنافى عن آداب الإسلام.

فأنفع العقوبات ما كان عملًا صالحًا من الأعمال كالصدقة، وصيام عدة أيام، وقيام ساعات من الليل، وذلك يختلف باختلاف النفوس وقوة صبرها.

وقد أَلمحَ الإمام ابن القيم إلى ذلك فقال: "من الناس من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به وثباته عليه أقوى من صبره عما يضره، فيصبر


(١) "الطبقات الكبرى" (١٨٨) للشعراني.

<<  <   >  >>