للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ الْآيَةَ، قَالَ الضَّحَّاكُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: نَجَسٌ قَذَرٌ. وَقِيلَ: خَبِيثٌ [١] . وَهُوَ مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ، فَأَمَّا النِّجْسُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ [٢] الْجِيمِ فَلَا يُقَالُ عَلَى الانفراد، وإنما يُقَالُ: رِجْسٌ نِجْسٌ، فَإِذَا أُفْرَدَ قِيلَ: نَجِسٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَأَرَادَ بِهِ نَجَاسَةَ الْحُكْمِ لَا نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، سُمُّوا نَجَسًا عَلَى الذَّمِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: سَمَّاهُمْ نَجَسًا لِأَنَّهُمْ يُجْنِبُونَ فَلَا يَغْتَسِلُونَ ويحدثون فلا يتوضّؤون. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَرَادَ بِهِ الْحَرَمَ وَهَذَا كَمَا قال تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْإِسْرَاءِ: ١] ، وَأَرَادَ بِهِ الْحَرَمَ لِأَنَّهُ أُسَرِيَ به من بيت أم هانىء. قال الشيخ الإمام الأجلّ [رضي الله عنه] : وَجُمْلَةُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: الحرم فلا يجوز لكافر أَنَّ يَدْخُلَهُ بِحَالٍ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُسْتَأْمِنًا لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِذَا جَاءَ رَسُولٌ مِنْ بِلَادِ [٣] الْكُفَّارِ إِلَى الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ لَا يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْحَرَمِ بَلْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ رِسَالَتَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ. وَجَوَّزَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِلْمُعَاهَدِ دُخُولَ الْحَرَمِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ:

الْحِجَازُ فَيَجُوزُ لِلْكَافِرِ دُخُولُهَا بِالْإِذْنِ، وَلَكِنْ لَا يُقِيمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مَقَامِ السَّفَرِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.

«١٠٥٢» لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمَّعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا» .

«١٠٥٣» فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْصَى فَقَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» ، فَلَمْ يَتَفَرَّغْ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ، وَأَجَّلَ لِمَنْ يَقْدُمُ مِنْهُمْ تَاجِرًا ثَلَاثًا.

وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنِ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمِنْ جَدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: سَائِرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ أَنْ يُقِيمَ فيها بذمّة أو أمان، وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا بِإِذْنِ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا، يَعْنِي: الْعَامَ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ، وَنَادَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِبَرَاءَةَ، وَهُوَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانَتْ مَعَايِشُهُمْ مِنَ التِّجَارَاتِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْتُونَ مَكَّةَ بِالطَّعَامِ وَيَتَجِّرُونَ، فَلَمَّا مُنِعُوا مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ خَافُوا الْفَقْرَ، وَضِيقَ الْعَيْشِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَقْرًا وَفَاقَةً. يُقَالُ: عَالَ يَعِيلُ عَيْلَةً إذا افتقر، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ


١٠٥٢- صحيح. أخرجه مسلم ١٧٦٧ وأبو داود ٣٠٣٠ والترمذي ١٦٠٦ و١٦٠٧ وعبد الرزاق ٩٩٨٥ وابن أبي شيبة (١٢/ ٣٤٥) وأحمد (١/ ٢٩) و (٣/ ٣٤٥) والطحاوي في «المشكل» ٢٧٥٦ وابن حبان ٣٧٥٣ والحاكم (٩/ ٢٠٧) والبيهقي (٩/ ٢٠٧) من طرق عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عن عمر مرفوعا.
وأخرجه أبو عبيد في «الدلائل» ٢٧٠ و٢٧١ والطحاوي ٢٧٦٣ من حديث جابر. [.....]
١٠٥٣- صحيح. أخرجه البخاري ٣٠٥٣ و٣١٦٨ و٤٤٣١ ومسلم ١٦٣٧ وأبو داود ١٦٣٧ والحميدي ٥٢٦ وابن أبي شيبة (١٤/ ٣٤٤) وعبد الرزاق ٩٩٩٢ و١٩٣٧١ وابن سعد (٢/ ٢٤٢) وأحمد (١/ ٢٢٢) والطحاوي في «المشكل» ٢٧٦٦ والبيهقي (٩/ ٢٠٧) من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سليمان بن أبي مسلم الأحول عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عباس بأتم منه.
(١) في المخطوط «خبث» .
(٢) في المخطوط «جزم» .
(٣) في المخطوط «دار» .

<<  <  ج: ص:  >  >>