للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا» . وَرُوِيَ أنهما طافا في القوم فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا. قَالَ قَتَادَةُ: شَرُّ الْقُرَى الَّتِي لَا تُضَيِّفُ الضَّيْفَ. وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَطْعَمَتْهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ بَرْبَرَ بَعْدَ أَنْ طَلَبَا مِنَ الرِّجَالِ فلم يطعموهما. فدعوا لنسائهم ولعنا رِجَالَهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، أَيْ يَسْقُطَ، وَهَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا إِرَادَةَ لَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ قَرُبَ وَدَنَا مِنَ السُّقُوطِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلَانٍ إِذَا كَانَتْ تُقَابِلُهَا. فَأَقامَهُ، أَيْ سَوَّاهُ.

«١٣٧٢» وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ» .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَسَحَ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بَلْ طَيَّنَا وَجَعَلَ يَبْنِي الْحَائِطَ. قالَ مُوسَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وكسر الخاء، وقرأ الآخرون لَاتَّخَذْتَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ اتَّبَعَ وَتَبِعَ عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى إِصْلَاحِ الْجِدَارِ، أَجْراً يَعْنِي جُعْلًا، مَعْنَاهُ: إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّنَا جِيَاعٌ وَأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَمْ يُطْعِمُونَا فَلَوْ أَخَذْتَ على عملك أجرا.

[[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧٨ الى ٨١]]

قالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)

قالَ الْخَضِرُ، هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، يَعْنِي هَذَا وَقْتُ فِرَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. وَقِيلَ: هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ الْأَجْرِ هُوَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَنَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِنَا أَيْ فِرَاقُ اتِّصَالِنَا وكرر بَيْنِي تَأْكِيدًا سَأُنَبِّئُكَ، أَيْ سَوْفَ أُخْبِرُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.

وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ مُوسَى أَخَذَ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَعْنَى مَا عَمِلْتَ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَنِي.

فَقَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، قَالَ كَعْبٌ: كَانَتْ لِعَشَرَةِ إِخْوَةٍ خَمْسَةٍ زَمْنَى وَخَمْسَةٍ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ وإن كان يملك شيئا لا يزول عنه اسم المسكنة إذ لم يقم ما يملكه بِكِفَايَتِهِ، يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ أَيْ يُؤَاجِرُونَ وَيَكْتَسِبُونَ بِهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها، أَجْعَلُهَا ذَاتَ عَيْبٍ، وَكانَ وَراءَهُمْ، أَيْ أَمَامَهُمْ، مَلِكٌ، كَقَوْلِهِ: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ [إِبْرَاهِيمَ: ١٦] ، وَقِيلَ: وَرَاءَهُمْ خَلْفَهُمْ، وَكَانَ رُجُوعُهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ يَدُلُّ عليه قراءة ابن مسعود [١] «وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ» يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، أَيْ كل سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يقرؤها كَذَلِكَ فَخَرَقَهَا وَعَيَّبَهَا الْخَضِرُ حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا الْمَلِكُ الْغَاصِبُ، وَكَانَ اسمه الجلندى وكان كافرا. وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ مُتَوَلِّهُ بْنُ جَلَنْدِيِّ [٢] الْأَزْدِيُّ. وَقَالَ شُعَيْبٌ الْجَبَّائِيُّ اسْمُهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ.


١٣٧٢- أخرجه مسلم ٢٣٨٠ ح ١٧٠ من طريق عمرو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أبي بن كعب مطوّلا، والأشبه في هذه اللفظة الوقف، فإن ابن عباس صرح عقب هذه اللفظة برفع اللفظة التي بعدها. ولم يصرح برفع هذه اللفظة، وهي غريبة، والأشبه أقامه بأن أعاد بناءه، والله أعلم.
(١) في المطبوع «عباس» .
(٢) في المخطوط «خليفة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>