للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حُجَّةُ الْعَذَابِ [١] عَلَى الْكافِرِينَ.

[قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:] [٢] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا، تَوَلَّيْنَا خَلْقَهُ بِإِبْدَاعِنَا مِنْ غَيْرِ إِعَانَةِ أَحَدٍ، أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ، ضَابِطُونَ قَاهِرُونَ، أَيْ لَمْ يَخْلُقِ الْأَنْعَامَ وَحْشِيَّةً نَافِرَةً مَنْ بَنِي آدَمَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ضَبْطِهَا بَلْ هِيَ مُسَخَّرَةٌ لَهُمْ.

وَهِيَ قَوْلُهُ: وَذَلَّلْناها لَهُمْ، سَخَّرْنَاهَا [٣] لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ، أَيْ مَا يَرْكَبُونَ وَهِيَ الْإِبِلُ، وَمِنْها يَأْكُلُونَ [أي] [٤] : مِنْ لُحْمَانِهَا.

وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ، أي مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَنَسْلِهَا، وَمَشارِبُ، مِنْ أَلْبَانِهَا، أَفَلا يَشْكُرُونَ، رَبَّ هَذِهِ النِّعَمِ.

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) ، يَعْنِي: لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَطُّ.

لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَقْدِرُ الْأَصْنَامُ عَلَى نَصْرِهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ.

وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ، أَيْ الْكُفَّارُ جُنْدٌ الأصنام يَغْضَبُونَ لَهَا وَيُحْضِرُونَهَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَا تَسُوقُ إِلَيْهِمْ خَيْرًا وَلَا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ نَصْرًا. وَقِيلَ: هَذَا فِي الْآخِرَةِ يُؤْتَى بِكُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ الَّذِينَ عَبَدُوهُ كَأَنَّهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فِي النَّارِ.

فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ، يَعْنِي قَوْلَ كُفَّارِ مَكَّةَ فِي تَكْذِيبِكَ، إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ، فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَما يُعْلِنُونَ، مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ [٥] أَوْ مَا يُعْلِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْأَذَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ، جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ، مُبِينٌ، بَيِّنُ الْخُصُومَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يُخَاصِمُ، فَكَيْفَ لَا يَتَفَكَّرُ فِي بَدْءِ خَلْقِهِ حَتَّى يَدَعَ الْخُصُومَةَ.

«١٧٩٢» نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ خَاصَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَأَتَاهُ بِعَظْمٍ قَدْ بَلِيَ فَفَتَّتَهُ بيده، فقال: أترى يحيي الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، بدأ أمره ثم، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، بَالِيَةٌ، وَلَمْ يَقِلْ رَمِيمَةً لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ فَاعِلَةٍ وَكُلُّ مَا كَانَ مَعْدُولًا عَنْ وَجْهِهِ وَوَزْنِهِ كَانَ مَصْرُوفًا عن إعرابه [٦] ، كَقَوْلِهِ:

وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مَرْيَمَ: ٢٨] ، أَسْقَطَ الْهَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مصروفة عن باغية.

[[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٩ الى ٨٣]]

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)


١٧٩٢- أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٤٩٨ والطبري ٢٩٢٤٢ من طريقين عن قتادة مرسلا، وأخرجه برقم ٢٩٢٤١ عن الحسن، وأخرجه الواحدي ٧٢١ عن أبي مالك، فهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.
(١) زيد في المطبوع «قوله» .
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «سخرنا» والمثبت عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) في المخطوط «الأوثان» والمعنى واحد.
(٦) في المطبوع و «ط» : «أخواته» والمثبت عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>