للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ، تَرَكُوا مَا وُعِظُوا وَأُمِرُوا بِهِ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَحْنا بِالتَّشْدِيدِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ عُقَيْبَهُ جمعا، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهَذَا فَتْحُ اسْتِدْرَاجٍ وَمَكْرٍ، أَيْ: بَدَّلْنَا مَكَانَ الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ الرَّخَاءَ وَالصِّحَّةَ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا، وَهَذَا فَرَحُ بَطَرٍ مِثْلُ فَرَحِ قَارُونَ بِمَا أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، فَجْأَةً آمَنَ مَا كَانُوا وَأَعْجَبَ مَا كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خير، وقال أبو عبيدة: الملبس النَّادِمُ الْحَزِينُ، وَأَصْلُ الْإِبْلَاسِ الْإِطْرَاقُ من الحزن والندم.

«٨٧٠» روى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ» ، ثُمَّ تَلَا: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ الْآيَةَ.

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَيْ: آخِرُهُمْ الذي [١] يدبرهم [٢] ، يُقَالُ: دَبَرَ فُلَانٌ الْقَوْمَ يَدْبُرُهُمْ دَبْرًا وَدُبُورًا إِذَا كَانَ آخِرَهُمْ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمُ اسْتُؤْصِلُوا بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، حَمِدَ اللَّهُ [نَفْسَهُ عَلَى أَنْ قَطَعَ دَابِرَهُمْ لِأَنَّهُ نعمة على رسله] [٣] ، فَذَكَرَ الْحَمْدَ لِلَّهِ تَعْلِيمًا لَهُمْ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِمْ، أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى كِفَايَتِهِ شَرَّ الظَّالِمِينَ، وَلِيَحْمَدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَبَّهُمْ إِذَا أَهْلَكَ [٤] الْمُكَذِّبِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ، حَتَّى لَا تَسْمَعُوا شَيْئًا أَصْلًا، وَأَبْصارَكُمْ، حَتَّى لَا تُبْصِرُوا شيئا أصلا، وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ، حَتَّى لَا تَفْقَهُوا شَيْئًا وَلَا تَعْرِفُوا مِمَّا تَعْرِفُونَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يَأْتِيكُمْ بِمَا [٥] أُخِذَ مِنْكُمْ، وَقِيلَ: الْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إِلَى السَّمْعِ الَّذِي ذُكِرَ أولا ولا يندرج غَيْرُهُ تَحْتَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التَّوْبَةِ: ٦٢] ، فَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَرِضَى الرسول يندرج في رضا اللَّهِ تَعَالَى، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ، أَيْ: نُبَيِّنُ لَهُمُ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ، يُعْرِضُونَ عَنْهَا مُكَذِّبِينَ.

[[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٧ الى ٥١]]

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١)


٨٧٠- حسن. أخرجه أحمد (٤/ ١٤٥) من طريق رشدين بن سعد والطبراني ١٣٢٤٣ من طريق أبي الصلت والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٣٣٠، ٣٣١) (٩١٣) والبيهقي في «الشعب» ٤٥٤٠ عن عبد الله بن صالح ثلاثتهم عن حرملة بن عمران عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به، وهذا إسناد حسن، حرملة وشيخه كلاهما ثقة.
وأخرجه الطبراني (١٧/ ٣٣١) والطبري ١٣٢٤٤ من طريق ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به، وابن لهيعة ضعيف، لكن يصلح للمتابعة.
وقال الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (٤/ ١١٥) : رواه أحمد والطبراني والبيهقي في «الشعب» بسند حسن اهـ.
وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
(١) في المطبوع وط «الذين» .
(٢) في المطبوع وط «بدبرهم» .
(٣) سقط من ب.
(٤) في المخطوطتين «أهلكنا» .
(٥) في ب «مما» .

<<  <  ج: ص:  >  >>