للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

، أي أمرنا جبريل حَتَّى نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَأَحْدَثْنَا بِذَلِكَ النَّفْخَ الْمَسِيحَ فِي بَطْنِهَا، وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ، أَيْ دَلَالَةٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى خَلْقِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ وَهُمَا آيَتَانِ [١] لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَجَعَلْنَا شَأْنَهُمَا وَأَمْرَهُمَا آيَةً وَلِأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ فِيهِمَا وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ مِنْ غير فحل.

قوله: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ، أَيْ مِلَّتُكُمْ وَدِينُكُمْ. أُمَّةً واحِدَةً، أَيْ دِينًا وَاحِدًا وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَأُبْطِلُ مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَأَصْلُ الْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَتِ الشَّرِيعَةُ أُمَّةً وَاحِدَةً لِاجْتِمَاعِ أَهْلِهَا عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ وَنَصَبَ أُمَّةً عَلَى الْقَطْعِ. وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.

[[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٣ الى ٩٧]]

وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)

وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، أَيِ اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِ فَصَارُوا فِرَقًا وَأَحْزَابًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَرَّقُوا دِينَهُمْ بَيْنَهُمْ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالتَّقَطُّعُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْطِيعِ، كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ، فَنَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ، [أي] [٢] لا يجحد ولا يبطل عمله [٣] بَلْ يُشْكَرُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ، لِعَمَلِهِ حَافِظُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الشُّكْرِ مِنَ اللَّهِ الْمُجَازَاةُ، ومعنى الكفران ترك المجازاة.

وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ [أَيْ أَهْلِ قَرْيَةٍ] [٤] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: «وَحِرْمٌ» بِكَسْرِ الْحَاءِ بِلَا ألف، وقرأ الباقون بالألف (وحرام) وهما لغتان مثل حله وَحَلَالٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَى الْآيَةِ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَيْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، أَهْلَكْناها، أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ الْهَلَاكِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لَا صِلَةً، وَقَالَ آخَرُونَ:

الْحَرَامُ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لا ثابتة معناه واجب عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، إِلَى الدُّنْيَا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَحَرَامٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهُمْ أَيْ حَكَمْنَا بِهَلَاكِهِمْ أن يتقبل أَعْمَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَيْ لَا يَتُوبُونَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ أَيْ يُتَقَبَّلُ عَمَلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ عَقِيبَهُ وَبَيَّنَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَقَبَّلُ عَمَلُهُ.

قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: «فُتِّحَتْ» بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، يُرِيدُ فُتِحَ السدّ عن يأجوج [ومأجوج] [٥] ،


(١) في المخطوط «اثنان» . [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع «سعيه» .
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>