للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً، ريحا ترميهم بالحصباء، وهي الحصا، قال الضَّحَّاكُ: يَعْنِي صِغَارَ الْحَصَى. وَقِيلَ: الْحَصْبَاءُ هِيَ الْحَجَرُ الَّذِي دُونَ مِلْءِ الْكَفِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَاصِبُ الرَّامِي، فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا، أرسلنا عليهم عذابا يحصبهم، يعني يَرْمِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إِلَّا آلَ لُوطٍ، يَعْنِي لُوطًا وَابْنَتَيْهِ، نَجَّيْناهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ، بِسَحَرٍ.

نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا، يعني جَعَلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا عَلَيْهِمْ حَيْثُ أنجيناهم، كَذلِكَ، يعني كَمَا أَنْعَمَنَا عَلَى آلِ لُوطٍ، نَجْزِي مَنْ شَكَرَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ لَمْ يُعَذِّبْهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.

وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ، لُوطٌ، بَطْشَتَنا، أَخْذَنَا إِيَّاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ، شَكُّوا بِالْإِنْذَارِ وَكَذَّبُوا وَلَمْ يُصَدِّقُوا.

وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ، طَلَبُوا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ أَضْيَافَهُ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا دَارَ لُوطٍ وَعَالَجُوا الْبَابَ لِيَدْخُلُوا، قَالَتِ الرُّسُلُ [١] لِلُوطٍ: خَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فَإِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَدَخَلُوا الدَّارَ فَصَفَقَهُمْ جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَتَرَكَهُمْ عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْبَابِ، فَأَخْرَجَهُمْ لُوطٌ عُمْيًا لَا يُبْصِرُونَ. قَوْلُهُ: فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ، يعني صَيَّرْنَاهَا كَسَائِرِ الْوَجْهِ لَا يُرَى لَهَا شَقٌّ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: طَمَسَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ فَلَمْ يَرَوُا الرُّسُلَ، فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِينَ دَخَلُوا الْبَيْتَ فَأَيْنَ ذَهَبُوا، فَلَمْ يَرَوْهُمْ فَرَجَعُوا. فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، أَيْ مَا أَنْذَرَكُمْ بِهِ لُوطٌ مِنَ الْعَذَابِ.

وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً، جَاءَهُمْ وَقْتَ الصُّبْحِ، عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ، دَائِمٌ اسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى أَفْضَى بِهِمْ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: عَذَابٌ حَقٌّ.

فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) ، يَعْنِي مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقِيلَ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي أَنْذَرَهُمْ بِهَا مُوسَى.

كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها، وَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ، فَأَخَذْناهُمْ، بِالْعَذَابِ، أَخْذَ عَزِيزٍ، غَالِبٍ فِي انْتِقَامِهِ، مُقْتَدِرٍ، قَادِرٍ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ لَا يعجزه ما أراد بهم، ثُمَّ خَوَّفَ أَهْلَ مَكَّةَ فَقَالَ:

[[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]]

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)

يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ، أَشَدُّ وَأَقْوَى مِنَ الَّذِينَ أَحْلَلْتُ بِهِمْ نِقْمَتِي مَنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَآلِ فِرْعَوْنَ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَيْ لَيْسُوا بِأَقْوَى مِنْهُمْ، أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ، من الْعَذَابُ، فِي الزُّبُرِ، فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ.

أَمْ يَقُولُونَ، يَعْنِي كُفَّارُ مَكَّةَ، نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَحْنُ جَمِيعُ أَمْرِنَا منتصر من أعدائنا، والمعنى: نَحْنُ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفْنَا، مُنْتَصِرٌ مِمَّنْ عَادَانَا، وَلَمْ يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.


(١) في المطبوع «الرسول» والمثبت عن المخطوط. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>