للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ: مَا مَنَعَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ السُّدِّيُّ: شُرُوطُ اللَّهِ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: فَرَائِضُ اللَّهِ وَأَصْلُ الْحَدِّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْبَوَّابِ: حَدَّادٌ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ، وَحُدُودُ الله ما يمنع النَّاسَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا، فَلا تَقْرَبُوها، فَلَا تَأْتُوهَا كَذلِكَ، هَكَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، لِكَيْ يَتَّقُوهَا فَيَنْجُوا مِنَ الْعَذَابِ [١] .

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]]

وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)

قَوْلُهُ تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، قِيلَ:

ع «١٦٦» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي امْرِئِ [٢] القيس بن عابس الْكِنْدِيِّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» ، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [أَمَا إِنْ حلف على مالك] [٣] لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.

أَيْ: لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْبَاطِلِ:

الشَّيْءُ الذَّاهِبُ، وَالْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ أَنْوَاعٌ: قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ اللَّهْوِ كَالْقِمَارِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّي وَنَحْوِهِمَا [٤] ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ،


١٦٦- ع لم أره بهذا التمام، وإنما هو منتزع من حديثين: الأول: أخرجه ابن أبي حاتم كما في «أسباب النزول» للسيوطي ٩٤ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض، وأراده امرؤ القيس أن يحلف ففيه نزلت وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ.
وكذا ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٩٥ عن مقاتل بن حيان بدون إسناد. وذكر سبب النزول ضعيف، ولا يصح، وأما المرفوع منه فصحيح، وهو الثاني: أخرجه مسلم ١٣٩ وأبو داود ٣٢٤٥ و٣٦٢٣ والترمذي ١٣٤٠ والنسائي في «الكبرى» ٥٩٨٩ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ١٤٨) و «المشكل» (٤/ ٢٤٨) والبيهقي (١٠/ ١٤٤) و٢٥٤ والبيهقي (١٠/ ١٧٩) من طرق عن أبي الأحوص عن سماك عن علقة بن وائل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ من حضر موت وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هي أرضي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم للحضرمي: ألك عليه بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أدبر: أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عنه معرض» .
- وفي صحيح البخاري ٢٤١٦ و٢٤٧ وسنن أبي داود ٣٢٤٣ والترمذي ١٢٦٩ وابن ماجه ٢٣٢٣ والبيهقي (١٠/ ١٧٩- ١٨٠) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: من حلف على يمين، وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله، وهو عليه غضبان. قال: فقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك. كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألك بينة؟ قلت: لا. قال لليهودي: احلف. قال: قلت: يا رسول الله إذا يحلف، ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية.
(١) في المخطوط «النار» .
(٢) في الأصل «امرؤ» والمثبت هو الصواب.
(٣) العبارة في المطبوع [إما أن يحلف على ماله] .
(٤) في المطبوع «وغيرهما» وفي المخطوط «ونحوهما» والمثبت عن- ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>