للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ، وَكَانُوا عَشَرَةً، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بالقرب مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، بِغَوْرِ الشَّامِ، وَكَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ وَإِبِلٍ وَشَاةٍ، فَدَعَاهُمْ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: يَا بَنِيَّ بَلَغَنِي أَنَّ بِمِصْرَ مَلِكًا صَالِحًا يَبِيعُ الطَّعَامَ، فَتَجَهَّزُوا واذهبوا [إليه] [١] لِتَشْتَرُوا مِنْهُ الطَّعَامَ، فَأَرْسَلَهُمْ فَقَدِمُوا مِصْرَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، عَلَى يُوسُفَ، فَعَرَفَهُمْ، يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: عَرَفَهُمْ بِأَوَّلِ مَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَعْرِفْهُمْ حَتَّى تَعَرَّفُوا إِلَيْهِ، وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، أَيْ: لَمْ يَعْرِفُوهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ بَيْنَ أَنْ قَذَفُوهُ فِي الْبِئْرِ وَبَيْنَ أَنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَلِذَلِكَ أَنْكَرُوهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّمَا لَمْ يَعَرِفُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ بِزِيِّ مُلُوكِ مِصْرَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنْ حَرِيرٍ وَفِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ يُوسُفُ وَكَلَّمُوهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، قَالَ لَهُمْ أَخْبَرُونِي مَنْ أَنْتُمْ وَمَا أَمْرُكُمْ فَإِنِّي أَنْكَرْتُ شَأْنَكُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ قوم من أهل الشَّامِ رُعَاةٌ أَصَابَنَا الْجَهْدُ فَجِئْنَا نَمْتَارُ، فَقَالَ:

لَعَلَّكُمْ جِئْتُمْ تَنْظُرُونَ عَوْرَةَ بِلَادِي، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا نَحْنُ بِجَوَاسِيسَ إِنَّمَا نَحْنُ إِخْوَةٌ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ شَيْخٌ صِدِّيقٌ يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ نبيّ من أنبياء الله، فقال: وَكَمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ فَذَهَبَ أَخٌ لَنَا مَعَنَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَهَلَكَ فِيهَا وَكَانَ أَحَبَّنَا [٢] إِلَى أَبِينَا، قَالَ: فَكَمْ أنتم هاهنا؟ قَالُوا: عَشَرَةٌ، قَالَ: وَأَيْنَ الْآخَرُ؟

قَالُوا: عِنْدَ أَبِينَا لِأَنَّهُ أَخُو [٣] الذي هلك من أمه، فأبونا يتسلّى به، فقال: فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُونَ حق وصدق؟ قَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّا بِبِلَادٍ لا يعرفنا فيها أحد من أهلها، فقال لهم يُوسُفُ: فَأَتَوْنِي بِأَخِيكُمُ الَّذِي مِنْ أَبِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَأَنَا أَرْضَى بِذَلِكَ، قَالُوا: فَإِنَّ أَبَانَا يَحْزَنُ عَلَى فِرَاقِهِ وَسَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ، قَالَ:

فَدَعُوا بَعْضَكُمْ عِنْدِي رهينة حتى تأتوني بأخيكم الذي من أبيكم، فاقترعوا [حينها] [٤] [على من يدعوه عنده] [٥] بَيْنَهُمْ فَأَصَابَتِ الْقَرْعَةُ شَمْعُونَ وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا فِي يُوسُفَ، فَخَلَّفُوهُ عِنْدَهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

[[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٩ الى ٦٢]]

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ، أَيْ: حَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرًا بِعُدَّتِهِمْ، قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ، يَعْنِي: بِنْيَامِينَ، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ، أَيْ: أُتِمُّهُ وَلَا أَبْخَسُ النَّاسَ شَيْئًا فَأَزِيدُكُمْ حِمْلَ بِعِيرٍ لِأَجْلِ أَخِيكُمْ وَأُكْرِمُ مَنْزِلَتَكُمْ وَأُحْسِنُ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ خَيْرُ الْمُضِيفِينَ. وَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ.

فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي، أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي طَعَامٌ أَكِيلُهُ، وَلا تَقْرَبُونِ، أَيْ:

لَا تَقْرَبُوا دَارِي وَبِلَادِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ جَزْمٌ عَلَى النَّهْيِ.

قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ، أَيْ: نَطْلُبُهُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُرْسِلَهُ مَعَنَا، وَإِنَّا لَفاعِلُونَ، مَا أَمَرْتَنَا بِهِ.

وَقالَ لِفِتْيانِهِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: لِفِتْيانِهِ، بِالْأَلِفِ وَالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «لِفِتْيَتِهِ»


(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «أخينا» .
(٣) في المخطوط «أخ» .
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>