للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْيَاءَ بَعْدَ الألف لتدل [١] عَلَى الْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ يَا «حَسْرَتَايَ» ، وَقِيلَ:

مَعْنَى قوله «يا حسرتا» يَا أَيَّتُهَا الْحَسْرَةُ هَذَا وَقْتُكَ، عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، قَالَ الْحَسَنُ: قَصَّرْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فِي حَقِّ اللَّهِ. وَقِيلَ: ضَيَّعْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَصَّرْتُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي يُؤَدِّي [٢] إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجَنْبَ جَانِبًا. وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، الْمُسْتَهْزِئِينَ بِدِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَةَ اللَّهِ حَتَّى جَعَلَ يَسْخَرُ بِأَهْلِ طاعته.

[[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٨ الى ٦٦]]

أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)

لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)

أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ، عَيَانًا، لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً، رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، الْمُوَحِّدِينَ.

ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي، يَعْنِي الْقُرْآنَ، فَكَذَّبْتَ بِها، وَقُلْتَ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ، وَاسْتَكْبَرْتَ، تَكَبَّرْتَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ.

وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا، وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ، عَنِ الْإِيمَانِ.

وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بِمَفَازَاتِهِمْ بِالْأَلِفِ عَلَى الْجَمْعِ، أَيْ بِالطُّرُقِ الَّتِي تُؤَدِّيهِمْ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِمَفازَتِهِمْ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْمَفَازَةَ بِمَعْنَى الْفَوْزِ، أَيْ يُنَجِّيهِمْ بِفَوْزِهِمْ مِنَ النَّارِ بِأَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَفَازَةُ مَفْعَلَةٌ مِنَ الْفَوْزِ، وَالْجَمْعُ حَسَنٌ كَالسَّعَادَةِ وَالسَّعَادَاتِ. لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ، لَا يُصِيبُهُمُ الْمَكْرُوهُ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) ، أَيِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِ فَهُوَ الْقَائِمُ بحفظها.

لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أي مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السموات وَالْأَرْضِ، وَاحِدُهَا مِقْلَادٌ، مِثْلُ مِفْتَاحٌ، وَمِقْلِيدٌ مِثْلُ مِنْدِيلٌ وَمَنَادِيلَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: مَفَاتِيحُ السموات وَالْأَرْضِ بِالرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَزَائِنُ الْمَطَرِ وَخَزَائِنُ النَّبَاتِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) ؟ قَالَ مُقَاتِلٌ: وذلك أن كفار قريش


(١) في المطبوع «ليدل» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يردني» والمثبت عن ط والمخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>