للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشَّمْسِ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ بضم الراء وسكون الهاء وبفتح الرَّاءَ حَفْصٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهِمَا وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنَى الْخَوْفِ، وَمَعْنَى الآية إذا هالك أَمْرُ يَدِكَ وَمَا تَرَى مِنْ شعاها فَأَدْخِلْهَا فِي جَيْبِكَ تَعُدْ إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، وَالْجَنَاحُ الْيَدُ كُلُّهَا. وَقِيلَ: هُوَ الْعَضُدُ.

وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم: أمره الله بضم يَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَذْهَبَ عَنْهُ مَا نَالَهُ مِنَ الْخَوْفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْحَيَّةِ، وَقَالَ: مَا مِنْ خَائِفٍ بَعْدَ مُوسَى إِلَّا إِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ زَالَ خوفه. وقال مُجَاهِدٌ: كُلٌّ مَنْ فَزِعَ فَضَمَّ جناحه إليه ذهب عنه الفزع [وما يجد من الخوف] [١] ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ ضَمِّ الْجَنَاحِ السُّكُونُ أَيْ سَكِّنْ رَوْعَكَ وَاخْفِضْ عليك جأشك لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَائِفِ أَنْ يَضْطَرِبَ قَلْبُهُ وَيَرْتَعِدَ بَدَنُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الْإِسْرَاءِ: ٢٤] ، يُرِيدُ الرِّفْقَ [بهما] [٢] ، وَقَوْلُهُ:

وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٢٥) [الشُّعَرَاءِ: ٢١٥] أَيْ ارْفُقْ بهم وألن جانبك لهم، وقال الْفَرَّاءُ:

أَرَادَ بِالْجَنَاحِ الْعَصَا، مَعْنَاهُ اضْمُمْ إِلَيْكَ عَصَاكَ. وَقِيلَ: الرَّهْبُ الْكُمُّ [٣] بِلُغَةِ حِمْيَرَ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ:

سَمِعْتُ بَعْضَ الْأَعْرَابِ يَقُولُ أَعْطِنِي ما في رهبك أي [ما] [٤] في كمك، معناه واضمم إِلَيْكَ يَدَكَ وَأَخْرِجْهَا مِنَ الْكُمِّ، لأنه تناول العصا [حين صارت حية] [٥] وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ، فَذانِكَ، يَعْنِي الْعَصَا وَالْيَدُ الْبَيْضَاءُ، بُرْهانانِ، آيَتَانِ، مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.

[[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]]

قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥)

قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) .

وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْعُقْدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِهِ مِنْ وَضْعِ الْجَمْرَةِ فِي فِيهِ، فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً، عَوْنًا، يُقَالُ رَدَأْتُهُ أَيْ أَعَنْتُهُ، قَرَأَ نَافِعٌ «رِدًا» بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُونِ الدَّالِ مَهْمُوزًا، يُصَدِّقُنِي، قَرَأَ [عَاصِمٌ] [٦] وَحَمْزَةُ بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ رِدْءًا مُصَدِّقًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الدُّعَاءِ وَالتَّصْدِيقِ لِهَارُونَ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لِكَيْ يُصَدِّقَنِي فِرْعَوْنُ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، يَعْنِي فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ.

قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ، أَيْ نُقَوِّيكَ بِأَخِيكَ وَكَانَ هَارُونُ يَوْمَئِذٍ بِمِصْرَ، وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً، حُجَّةً وَبُرْهَانًا، فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، أَيْ لَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِقَتْلٍ وَلَا سُوءٍ لِمَكَانِ آيَاتِنَا، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا بِآيَاتِنَا بِمَا نُعْطِيكُمَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا، أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ، أَيْ لَكُمَا وَلِأَتْبَاعِكُمَا الْغَلَبَةُ عَلَى فِرْعَوْنَ وقومه.


(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع «الكلم» .
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «ابن عمر وعامر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>