الضَّفَادِعَ فَامْتَلَأَتْ مِنْهَا بُيُوتُهُمْ وَأَفْنِيَتُهُمْ وَأَطْعِمَتُهُمْ وَآنِيَتُهُمْ، فَلَا يَكْشِفُ أَحَدٌ إِنَاءً وَلَا طَعَامًا إِلَّا وَجَدَ فِيهِ الضَّفَادِعَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ فِي الضَّفَادِعِ إِلَى ذَقْنِهِ وَيَهُمُّ أن يتكلم فيثب الضفدع إلى فِيهِ، وَكَانَتْ تَثِبُ فِي قُدُورِهِمْ فَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ وَتُطْفِئُ نِيرَانَهُمْ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَضْطَجِعُ فَتَرْكَبُهُ الضَّفَادِعُ فَتَكُونُ عَلَيْهِ رُكَامًا حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى شَقِّهِ الْآخَرِ وَيَفْتَحُ فَاهُ لِأَكْلَتِهِ فَيَسْبِقُ الضُّفْدَعُ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، وَلَا يَعْجِنُ عَجِينًا إِلَّا تَشَدَّخَتْ فِيهِ وَلَا يَفْتَحُ قِدْرًا إِلَّا امْتَلَأَتْ ضَفَادِعَ، فَلَقُوا مِنْهَا أَذًى شَدِيدًا.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الضَّفَادِعُ بَرِّيَّةً، فَلَمَّا أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ وَأَطَاعَتْ فَجَعَلَتْ تَقْذِفُ أَنْفُسَهَا فِي القدور وهي تغلي في التَّنَانِيرِ وَهِيَ تَفُورُ، فَأَثَابَهَا اللَّهُ بِحُسْنِ طَاعَتِهَا بِرْدَ الْمَاءِ، فَلَمَّا رأوا ذلك بكوا وشكوا إِلَى مُوسَى، وَقَالُوا هَذِهِ الْمَرَّةُ نتوب إلى الله تعالى وَلَا نَعُودُ فَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الضفادع بعد ما أقام [عليهم] [١] سَبْعًا مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ ثُمَّ نقضوا العهود وعادوا إلى كفرهم، فَدَعَا عَلَيْهِمْ مُوسَى فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَسَالَ النِّيلُ عَلَيْهِمْ دما وصارت مياههم دما فما يَسْتَقُونَ مِنَ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ إِلَّا وَجَدُوهُ دَمًا عَبِيطًا أَحْمَرَ، فَشَكَوَا ذلك إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالُوا لَيْسَ لَنَا شراب، فقال: إنه سحركم، فقال القوم: مِنْ أَيْنَ سَحَرَنَا وَنَحْنُ لَا نَجِدُ فِي أَوْعِيَتِنَا شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا دَمًا عَبِيطًا، وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْقِبْطِيِّ وَالْإِسْرَائِيلِيِّ عَلَى الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ مَا يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دَمًا وَيَقُومَانِ إِلَى الْجَرَّةِ فِيهَا الْمَاءُ فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءٌ وَلِلْقِبْطِيِّ دَمٌ، حَتَّى كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ تَأْتِي الْمَرْأَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ جَهَدَهُمُ الْعَطَشُ فَتَقُولُ: اسْقِنِي مِنْ مَائِكِ فَتَصُبُّ لَهَا مِنْ قِرْبَتِهَا فَيَعُودُ فِي الْإِنَاءِ دَمًا حَتَّى كَانَتْ تَقُولُ: اجْعَلِيهِ فِي فِيكِ ثُمَّ مُجِّيهِ فِي فِيَّ، فَتَأْخُذُ فِي فِيهَا مَاءً فَإِذَا مَجَّتْهُ فِي فِيهَا صَارَ دَمًا، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ اعْتَرَاهُ الْعَطَشُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَضْطَرُّ إِلَى مَضْغِ الْأَشْجَارِ الرَّطْبَةِ فَإِذَا مَضَغَهَا يَصِيرُ مَاؤُهَا فِي فِيهِ مِلْحًا أُجَاجًا فَمَكَثُوا فِي ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَشْرَبُونَ إِلَّا الدَّمَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الدَّمُ الَّذِي سُلِّطَ عَلَيْهِمْ كَانَ الرُّعَافَ، فَأَتَوْا مُوسَى وَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا هَذَا الدَّمَ فَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَفْصِيلُهَا أَنَّ كُلَّ عَذَابٍ كان يَمْتَدُّ أُسْبُوعًا وَبَيْنَ كُلِّ عَذَابَيْنِ شَهْرًا، فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.
[[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٦]]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ، أَيْ: نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَهُوَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الطُّوفَانِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الرِّجْزُ الطَّاعُونُ، وَهُوَ الْعَذَابُ السَّادِسُ بَعْدَ الْآيَاتِ الْخَمْسِ، حَتَّى مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَأَمْسَوْا وَهُمْ لَا يَتَدَافَنُونَ، قالُوا لِمُوسَى: يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ، أي: أَوْصَاكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: بِمَا نَبَّأَكَ. وَقِيلَ: بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ مِنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ، وَهُوَ الطَّاعُونُ، لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ.
(١) زيادة عن المخطوط.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute