للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالتَّشْدِيدِ، وَخَفَّفَهَا الْآخَرُونَ، فَمَنْ شَدَّدَ جَعَلَهُ اسْمًا عَلَى فَعَّالٍ نَحْوَ الْخَبَّازِ وَالطَّبَّاخِ، وَمَنْ خَفَّفَ جَعَلَهُ اسْمًا عَلَى فَعَالٍ نَحْوَ الْعَذَابِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْغَسَّاقِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يَحْرُقُهُمْ بِبَرْدِهِ، كَمَا تَحْرُقُهُمُ النَّارُ بَحَرِّهَا.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي انْتَهَى بَرْدُهُ. وَقِيلَ: هُوَ الْمُنْتِنُ بِلُغَةِ التُّرْكِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يَغْسِقُ أَيْ مَا يَسِيلُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ وَلُحُومِهِمْ وَفُرُوجِ الزُّنَاةِ، من قولهم غَسَقَتْ عَيْنُهُ إِذَا انْصَبَّتْ، وَالْغَسَقَانُ [١] الانصباب.

وَآخَرُ، قرأ أهل البصرة أخر بِضَمِّ الْأَلِفِ عَلَى جَمْعِ أُخْرَى، مِثْلَ الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَنَّهُ نَعَتَهُ بِالْجَمْعِ، فَقَالَ: أَزْوَاجٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ [٢] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُشْبَعَةً عَلَى الْوَاحِدِ. مِنْ شَكْلِهِ. مِثْلِهِ أَيْ مِثْلُ الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ، أَزْواجٌ، أَيْ أَصْنَافٌ أُخَرُ مِنَ الْعَذَابِ.

هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا هُوَ أَنَّ الْقَادَةَ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمُ الْأَتْبَاعُ قَالَتِ الْخَزَنَةُ لِلْقَادَةِ [٣] : هَذَا يَعْنِي الْأَتْبَاعُ فَوْجٌ جَمَاعَةٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمُ النَّارَ، أَيْ دَاخِلُوهَا كَمَا أَنْتُمْ دَخَلْتُمُوهَا، وَالْفَوْجُ الْقَطِيعُ مِنَ النَّاسِ وَجَمْعُهُ أَفْوَاجٌ، وَالِاقْتِحَامُ الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ رَمْيًا بِنَفْسِهِ فِيهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُمْ يُضْرَبُونَ بِالْمَقَامِعِ حَتَّى يُوقِعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي النَّارِ خَوْفًا مِنْ تِلْكَ الْمَقَامِعِ، فَقَالَتِ الْقَادَةُ: لَا مَرْحَباً بِهِمْ، يَعْنِي بِالْأَتْبَاعِ، إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ، أَيْ دَاخِلُوهَا كَمَا صَلَيْنَا.

قالُوا، فَقَالَ الْأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ، بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ، وَالْمَرْحَبُ وَالرَّحْبُ السَّعَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ:

مَرْحَبًا وَأَهْلًا وَسَهْلًا أَيْ أَتَيْتَ رَحْبًا وَسِعَةً، وَتَقُولُ: لَا مَرْحَبًا بِكَ أَيْ لَا رَحُبَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ. أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا، يَقُولُ الْأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ: أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ بِالْكُفْرِ قَبْلَنَا وَشَرَعْتُمْ وَسَنَنْتُمُوهُ لَنَا، وَقِيلَ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمْ هَذَا الْعَذَابَ لَنَا بِدُعَائِكُمْ إِيَّانَا إِلَى الْكُفْرِ، فَبِئْسَ الْقَرارُ، أَيْ فَبِئْسَ دَارُ الْقَرَارِ جهنم.

[[سورة ص (٣٨) : الآيات ٦١ الى ٦٧]]

قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا مَا لَنا لَا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَاّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥)

رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧)

قالُوا، يَعْنِي الْأَتْبَاعُ، رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا، أَيْ شَرَعَهُ وَسَنَّهُ لَنَا، فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ، أَيْ ضَعِّفْ عَلَيْهِ الْعَذَابَ فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي حَيَّاتٍ وَأَفَاعِي.

وَقالُوا، يَعْنِي صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي النَّارِ، مَا لَنا لَا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ، فِي الدُّنْيَا، مِنَ الْأَشْرارِ، يَعْنُونَ فُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ: عَمَّارًا وَخَبَّابًا وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَسَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَقَالُوا:

أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ وَصْلٌ، وَيَكْسِرُونَ الْأَلِفَ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَفَتْحِهَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْقِرَاءَةُ الْأُولَى أُولَى لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ سِخْرِيًّا فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِفْهَامُ، وَتَكُونُ أَمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى بَلْ، وَمَنْ فَتَحَ الْأَلِفَ قَالَ هُوَ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى لِيُعَادِلَ أَمْ فِي قَوْلِهِ: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ، قال الفراء:


(١) في المخطوط (ب) «الغساق» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ) .
(٢) في المخطوط «الباقون» والمعنى واحد.
(٣) في المطبوع «للكفار» والمثبت عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>