للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَسْبِقُونَنِي، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ، يَعْنِي السُّفُنَ، وَاحِدَتُهَا جَارِيَةٌ وَهِيَ السَّائِرَةُ، فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ، أَيِ الْجِبَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُصُورُ وَاحِدُهَا عَلَمٌ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مُرْتَفِعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ عَلَمٌ.

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ، الَّتِي تُجْرِيهَا، فَيَظْلَلْنَ، يَعْنِي الْجَوَارِيَ، رَواكِدَ، ثَوَابِتَ، عَلى ظَهْرِهِ، عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ لَا تَجْرِي، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، أَيْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ الصَّبْرُ فِي الشدة والشكر في الرخاء.

[[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٤ الى ٣٩]]

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)

وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)

أَوْ يُوبِقْهُنَّ، يُهْلِكْهُنَّ وَيُغْرِقْهُنَّ، بِما كَسَبُوا، أَيْ بِمَا كَسَبَتْ رُكْبَانُهَا [١] مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ، مِنْ ذُنُوبِهِمْ فَلَا يُعَاقِبُ عَلَيْهَا.

وَيَعْلَمَ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: «وَيَعْلَمُ» بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [١٥] [٢] وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الصَّرْفِ وَالْجَزْمُ إِذَا صُرِفَ عَنْهُ مَعْطُوفُهُ [٣] نُصِبَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٢] ، صُرِفَ مَنْ حَالِ الْجَزْمِ إِلَى النَّصْبِ اسْتِخْفَافًا وَكَرَاهِيَةً لِتَوَالِي الْجَزْمِ. الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ، أَيْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْبَعْثِ أَنْ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.

فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ، مِنْ رِيَاشِ الدُّنْيَا، فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا، لَيْسَ مِنْ زَادِ الْمَعَادِ، وَما عِنْدَ اللَّهِ، مِنَ الثَّوَابِ، خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ الدُّنْيَا مَتَاعٌ لَهُمَا يَتَمَتَّعَانِ بِهَا فَإِذَا صَارَا [٤] إِلَى الْآخِرَةِ كَانَ مَا عِنْدَ الله خيرا لِلْمُؤْمِنِ.

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: كَبِيرَ الْإِثْمِ عَلَى الْوَاحِدِ هَاهُنَا، وَفِي سُورَةِ النَّجْمِ [٣٢] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: كَبائِرَ بِالْجَمْعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الْكَبَائِرِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَالْفَواحِشَ، قَالَ الْسُّدِّيُّ: يَعْنِي الزِّنَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: مَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، يَحْلُمُونَ [٥] وَيَكْظِمُونَ الْغَيْظَ وَيَتَجَاوَزُونَ.

وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ، أَجَابُوهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، يتشاورون فيما يبدوا لَهُمْ وَلَا يَعْجَلُونَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ، الظُّلْمُ وَالْعُدْوَانُ، هُمْ يَنْتَصِرُونَ، يَنْتَقِمُونَ مِنْ ظَالِمِيهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ


(١) في المخطوط (ب) «ركّابها» .
(٢) في المخطوط (ب) «التوبة» والمعنى واحد.
(٣) في المخطوط (ب) «معطوف» .
(٤) في المطبوع «صار» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «يحملون» والمثبت عن المخطوط. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>