للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ هَارُونُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لِيُرَقِّقَهُ [١] وَيَسْتَعْطِفَهُ. وَقِيلَ: كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي، يَعْنِي: عَبَدَةَ الْعِجْلِ، وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي، هَمُّوا وَقَارَبُوا أَنْ يَقْتُلُونِي، فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي، فِي مُؤَاخَذَتِكَ عَلَيَّ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، يَعْنِي: عَبَدَةَ الْعِجْلِ.

[[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥١ الى ١٥٣]]

قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)

قالَ مُوسَى لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ عُذْرُ أَخِيهِ، رَبِّ اغْفِرْ لِي، مَا صَنَعْتُ إِلَى أَخِي، وَلِأَخِي، إِنْ كَانَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ، وَأَدْخِلْنا جَمِيعًا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ، أَيِ: اتَّخَذُوهُ إِلَهًا سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ، فِي الْآخِرَةِ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُوَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ، أَرَادَ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيَّرَهُمْ بِصَنِيعِ آبَائِهِمْ فَنَسَبَهُ إِلَيْهِمْ، سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أَرَادَ مَا أَصَابَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَلَاءِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ الْجِزْيَةُ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، الْكَاذِبِينَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ وَاللَّهِ جَزَاءُ كُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا فِي كُلِّ مُبْتَدِعٍ إِلَى يَوْمِ القيامة.

قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) .

[[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٥]]

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥)

قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَمَّا سَكَتَ، أَيْ: سَكَنَ، عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ، الَّتِي كَانَ أَلْقَاهَا وَقَدْ ذَهَبَتْ سِتَّةُ أَسْبَاعِهَا، وَفِي نُسْخَتِها، اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْأَلْوَاحَ لِأَنَّهَا نُسِخَتْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ فَنَسَخَ نُسْخَةً أُخْرَى فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي نُسْخَتِها. وَقِيلَ: أَرَادَ وَفِيمَا نَسَخَ مِنْهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ:

لَمَّا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ فَتَكَسَّرَتْ [٢] صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فِي لَوْحَيْنِ فَكَانَ فِيهِ، هُدىً وَرَحْمَةٌ، أَيْ: هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَرَحْمَةً مِنَ الْعَذَابِ، لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ، أَيْ: لِلْخَائِفِينَ مِنْ رَبِّهِمْ، واللام في لِرَبِّهِمْ زيادة للتوكيد كَقَوْلِهِ: رَدِفَ لَكُمْ [النَّمْلُ: ٧٢] ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمَّا [٣] تَقَدَّمَتْ قَبْلَ الْفِعْلِ حسنت، كقوله: لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يُوسُفُ: ٤٣] ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: أَرَادَ مِنْ رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. وَقِيلَ: أَرَادَ لربهم راهبون.


(١) في المخطوط «ليرفقه» .
(٢) في المطبوع «فكسرت» .
(٣) في المطبوع «إن» .

<<  <  ج: ص:  >  >>