أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ، أن لَنْ يُظْهِرَ أَحْقَادَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُبْدِيهَا حَتَّى يَعْرِفُوا نِفَاقَهُمْ، وَاحِدُهَا ضِغْنٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسَدُهُمْ.
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ، أَيْ لَأَعْلَمْنَاكَهُمْ وَعَرَّفْنَاكَهُمْ، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، بِعَلَامَتِهِمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمْ بِهَا.
قَالَ أَنَسٌ: مَا خَفِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ.
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، فِي مَعْنَاهُ وَمَقْصِدِهِ، وَاللَّحْنُ: وَجْهَانِ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، فَالْفِعْلُ مِنَ الصَّوَابِ لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ إِذَا فَطِنَ لِلشَّيْءِ.
«١٩٤٤» وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» .
وَالْفِعْلُ مِنَ الْخَطَأِ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَاحِنٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ إِزَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ، وَالْمَعْنَى إِنَّكَ تَعْرِفُهُمْ فِيمَا يُعَرِّضُونَ بِهِ مِنْ تَهْجِينِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ، فَكَانَ بَعْدَ هَذَا لَا يَتَكَلَّمُ مُنَافِقٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَرَفَهُ بِقَوْلِهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِفَحْوَى كَلَامِهِ عَلَى فَسَادِ خلقه وعقيدته، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، وَلِنُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ بِأَنْ نَأْمُرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ، حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ، أَيْ عِلْمَ الْوُجُودِ يُرِيدُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُجَاهِدُ وَالصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ، أَيْ نُظْهِرُهَا وَنَكْشِفُهَا بِإِبَاءِ مَنْ يَأْبَى الْقِتَالَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى يَعْلَمَ، وَيَبْلُو بِالْيَاءِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَنَبْلُوا سَاكِنَةَ الْوَاوِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى نَعْلَمَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، إِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ، فَلَا يَرَوْنَ لَهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمْ الْمُطْعِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظِيرُهُا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال: ٣٦] .
[[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) ، قَالَ عَطَاءٌ: بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِخْلَاصِ ذَنْبٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.
١٩٤٤- هو بعض حديث تقدم في سورة البقرة عند آية: ١٨٨.