للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ مَا ضَرَّتَاهُ.

قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَحْمِلْ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا مَا يَلِدُ وَيَبِيضُ، فَأَمَّا مَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الطِّينِ مِنْ حَشَرَاتِ الأرض كالبق والبعوض والذباب فلم يحمل منها شيئا.

[[سورة هود (١١) : الآيات ٤١ الى ٤٣]]

وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَاّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)

وَقالَ ارْكَبُوا فِيها، أي: قال لهم نوح اركبوا فِي السَّفِينَةِ، بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: مَجْراها بفتح الميم وَمُرْساها بِضَمِّهَا، وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْصِنٍ «مَجْرِيهَا وَمَرْسَاهَا» بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مِنْ جَرَتْ وَرَسَتْ، أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ جَرْيُهَا وَرُسُوُّهَا، وَهُمَا مَصْدَرَانِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: مَجْراها وَمُرْساها بِضَمِّ الْمِيمَيْنِ مِنْ أُجْرِيَتْ وَأُرْسِيَتْ، أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا وَهُمَا أَيْضًا مَصْدَرَانِ كَقَوْلِهِ: أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [المؤمنون: ٢٩] ، أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: ٨٠] ، والمراد منه الْإِنْزَالُ وَالْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ. إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ نُوحٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ تَجْرِيَ السفينة قال: بسم الله، جرت. وإذا أراد أن يرسو قال: بسم الله رست.

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ، وَالْمَوْجُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ، شَبَّهَهُ بِالْجِبَالِ فِي عِظَمِهِ وَارْتِفَاعِهِ عَلَى الْمَاءِ. وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ، كَنْعَانَ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: سَامٌ وَكَانَ كَافِرًا، وَكانَ فِي مَعْزِلٍ، عنه لم يركب السَّفِينَةِ، يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والبزي عن ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عاصم ويعقوب: ارْكَبْ، بِإِظْهَارِ الْبَاءِ وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا فِي الْمِيمِ، وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ، فَتَهْلَكَ.

قالَ لَهُ ابْنُهُ: سَآوِي، سَأَصِيرُ وَأَلْتَجِئُ، إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ، يَمْنَعُنِي مِنَ الْغَرَقِ، قالَ لَهُ نُوحٌ: لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أي: مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ، قِيلَ:

مِنَ فِي مَحَلِّ رفع، أَيْ: لَا مَانِعَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ الرَّاحِمُ. وَقِيلَ: مِنَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَعْنَاهُ: لَا مَعْصُومَ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: ٢١] ، أَيْ: مَرْضِيَّةٍ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ، فَصَارَ، مِنَ الْمُغْرَقِينَ.

ويروى: أن الماء علا على رؤوس الْجِبَالِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: خمسة عشر ذراعا. ويروى: أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أَمٌ لِصَبِيٍّ [١] عَلَيْهِ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ ارْتَفَعَتْ حَتَّى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء ذَهَبَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتِ الصَّبِيَّ بِيَدَيْهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أحدا لرحم أم الصبيّ.

[[سورة هود (١١) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]]

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)


(١) في المطبوع «الصبي» وفي المخطوط «صبي» والمثبت عن ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>