إِلَّا كَالْحُلْمِ، يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَعْنِي: المنافقين: قيل: أراد تَمْيِيزَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَوْقَعَ النُّعَاسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَمِنُوا، وَلَمْ يُوقِعْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَبَقُوا في الخوف قد أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، أَيْ: حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْهَمِّ يُقَالُ: أَمْرٌ مُهِمٌّ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أَيْ: لَا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا، وَقِيلَ: ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ أَيْ: كَظَنِّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكِ، يَقُولُونَ هَلْ لَنا، مَا لَنَا لَفْظُهُ استفهام ومعناه: الجحد، مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يَعْنِي: النَّصْرَ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي لِلَّهِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ، وَقِيلَ: عَلَى النَّعْتِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ كَانَ لَنَا عُقُولٌ لَمْ نَخْرُجْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقْتَلْ رُؤَسَاؤُنَا، وَقِيلَ: لَوْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ، يَعْنِي: التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ، قُضِيَ، عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، مَصَارِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ، وَلِيَمْتَحِنَ اللَّهُ، مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ، يُخْرِجَ وَيُظْهِرَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
[[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٥ الى ١٥٦]]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)
. إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا انْهَزَمُوا، مِنْكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمْعُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ قَدِ انْهَزَمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعْلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ أَيْ: طَلَبَ زَلَّتَهُمْ، كَمَا يُقَالُ: اسْتَعْجَلْتُ فُلَانًا إِذَا طَلَبْتُ عجلته، وقيل: حملهم الزَّلَةِ وَهِيَ الْخَطِيئَةُ، وَقِيلَ: أَزَلَّ وَاسْتَزَلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا، أَيْ: بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: بِتَرْكِهِمُ الْمَرْكَزَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَسَبُوا هُوَ قَبُولُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ مَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ، وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ، فِي النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ، وَقِيلَ: فِي النَّسَبِ، إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَيْ: سَافَرُوا فِيهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ كانُوا غُزًّى أَيْ: غُزَاةً جَمْعُ غَازٍ فَقُتِلُوا، لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ يعني: قولهم وظنهم، حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يَعْمَلُونَ» بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
[[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٧ الى ١٥٩]]
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute