للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، عَطَفَ الْمُسْتَقْبَلَ عَلَى [١] الْمَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وقيل: مَعْنَاهُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْحَالِ، أَيْ: وَهُمْ يَصُدُّونَ. وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ:

وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ، قِبْلَةً لِصَلَاتِهِمْ وَمَنْسَكًا وَمُتَعَبَّدًا كَمَا قَالَ: وُضِعَ لِلنَّاسِ [آلِ عِمْرَانَ: ٩٦] . سَواءً، قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ: (سَوَاءً) نَصْبًا بِإِيقَاعِ الْجَعْلِ عَلَيْهِ [لِأَنَّ الْجَعْلَ] [٢] يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُسْتَوِيًا فِيهِ، الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ، وَتَمَامُ [٣] الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَأَرَادَ بِالْعَاكِفِ الْمُقِيمَ فِيهِ، وَبِالْبَادِي الطَّارِئَ الْمُنْتَابَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ والباد) يعني فِي تَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَقَضَاءِ النُّسُكِ فِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَعْنَى التَّسْوِيَةِ هُوَ التَّسْوِيَةُ فِي تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَمَعْنَى التَّسْوِيَةِ أَنَّ الْمُقِيمَ وَالْبَادِيَ سَوَاءٌ فِي النزول به ليس أحدهما بأحق بالمَنْزِلِ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآخَرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُزْعِجُ فِيهِ أحد إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى مَنْزِلٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: هُمَا سَوَاءٌ فِي الْبُيُوتِ وَالْمَنَازِلِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: كَانَ الْحُجَّاجُ إِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِأَحَقَّ بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَوْسِمِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتُهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحَجِّ: ٤٠] .

«١٤٥٣» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فهو آمن» .

فنسب [الديار إليهم نسبة] [٤] مِلْكٍ، وَاشْتَرَى عُمْرُ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا وَهَذَا قَوْلُ طاووس وعمر بْنِ دِينَارٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ أَيْ:

فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى الظُّلْمِ، والباء فِي قَوْلِهِ: بِإِلْحادٍ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ:

تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المُؤْمِنُونَ: ٢٠] ، وَمَعْنَاهُ مَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ، قَالَ الْأَعْشَى: ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا، أَيْ: رِزْقَ عِيَالِنَا. وَأَنْكَرَ الْمُبْرَدُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً وَقَالَ: مَعْنَى الْآيَةِ مَنْ تَكُنْ إِرَادَتُهُ فيه أن [٥] يُلْحِدَ بِظُلْمٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِلْحَادِ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَتَّى شَتْمِ الْخَادِمِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ دُخُولُ الْحَرَمِ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوِ ارْتِكَابُ شَيْءٍ مِنْ محظورات الإحرام [٦] مِنْ قَتْلِ صَيْدٍ أَوْ قَطْعِ شَجَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَقْتُلَ فِيهِ مَنْ لَا


١٤٥٣- سيأتي في تفسير سورة البلد إن شاء الله وفي سورة النصر أيضا، وهو صحيح.
(١) في المطبوع «عن» .
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «وتم» .
(٤) في المطبوع «الدار إليه نسب» .
(٥) في المطبوع «بأن» .
(٦) في المطبوع «الحرم» . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>