للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ سَوْقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:

كُلُّ يَوْمٍ لَهُ إِلَى الْعَبِيدِ [١] بِرُّ جَدِيدٌ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: سَيَفْرُغُ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ، وَلَهُ الْجَوارِ، فَأَتْبَعَ الْخَبَرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْفَرَاغُ عَنْ شُغْلٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَلَكِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ بِالْمُحَاسَبَةِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْفَرَاغُ لِسَبْقِ ذِكْرِ الشَّأْنِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ سَنَقْصِدُكُمْ بَعْدَ التَّرْكَ وَالْإِمْهَالِ وَنَأْخُذُ فِي أَمْرِكُمْ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ قد تفرغت لك [٢] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ التَّقْوَى وَأَوْعَدَ أَهْلَ الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ، وَأَخْبَرَنَاكُمْ فَنُحَاسِبُكُمْ وَنُجَازِيكُمْ وَنُنْجِزُ لكم ما وعدناكم، فنتم ذلك ونفرغ مِنْهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ ومقاتل: أَيُّهَ الثَّقَلانِ، أَيِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ سُمِّيَا ثقلين لأنهما ثقلا عَلَى الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) [الزَّلْزَلَةِ: ٢] ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ قَدْرٌ وَوَزْنٌ يُنَافَسُ فِيهِ [فَهُوَ] [٣] ثِقَلٌ.

«٢٠٨٨» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي» .

فَجَعَلَهُمَا ثَقَلَيْنِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهِمَا، وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصادق عليهما السلام، سُمِّيَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا، أَيْ تَجُوزُوا وَتَخْرُجُوا، مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مِنْ جَوَانِبِهِمَا وَأَطْرَافِهِمَا، فَانْفُذُوا، مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أقطار السموات وَالْأَرْضِ. فَاهْرُبُوا وَاخْرُجُوا مِنْهَا، وَالْمَعْنَى حيث ما كُنْتُمْ أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النِّسَاءِ: ٧٨] .

وَقِيلَ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أن تجوزوا أطراف السموات وَالْأَرْضِ فَتُعْجِزُوا رَبَّكُمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ فَجُوزُوا، لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ، أَيْ: بِمُلْكٍ، وَقِيلَ: بِحُجَّةٍ، وَالسُّلْطَانُ: الْقُوَّةُ الَّتِي يَتَسَلَّطُ بِهَا عَلَى الْأَمْرِ، فَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا سُلْطَانٌ، يُرِيدُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتُمْ كُنْتُمْ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا ما في السموات وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: إِلَّا بسلطان أي إِلَى سُلْطَانٍ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي [يوسف: ١٠٠] أي إليّ.


٢٠٨٨- تقدم في سورة الشورى عند آية: ٢٣ من حديث زيد بن أرقم.
(١) في المخطوط (أ) «خلقه» .
(٢) في ط والمخطوط (ب) : «فرغت لي» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ) .
(٣) زيادة عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>